مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١))
(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ) إنما لم يفقهوا لوجود الرين على قلوبهم بما كسبوا من الآثام وإنما منعهم خوف رهطه من رجمه دون خوف الله تعالى لاحتجابهم بالخلق عن الحق المسبب عن عدم الفقه كقوله تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣)) (١).
(فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) لما أطلق الشقي والسعيد منكرين للتعظيم دل على الشقي والسعيد الأزليين الأبديين ، ولما وصفهم في التقسيم التفصيلي استثنى عن خلود الشقي في النار وخلود السعيد في الجنة بقوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) لأن المراد بالنار والجنة عذاب النفس بنار الحرمان عن المراد وآلام الهيئات والآثار وثواب النفس بجنة حصول المرادات واللذات وبالاستثناء عن الخلود فيهما خروج الشقيّ منها إلى ما هو أشدّ منه من نيران القلب في حجب الصفات والأفعال بالسخط والطرد والإذلال والإهانة ، ونيران الروح بالحجب واللعن والقهر وخروج السعيد منها إلى ما هو ألذّ وأطيب من جنان القلب في مقام تجليات الصفات بالرضوان واللطف والإكرام والإعزاز وجنان الروح في مقام الشهود باللقاء وظهور سبحات الجلال ، وما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، لكون الشقيّ في مقابلة السعيد وخروج السعيد من الجنة إلى النار محال ، وقد دلّ عليه بقوله : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي : غير مقطوع ، فكذا ما يقابله على أن قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) يشعر بذلك لكونه وعيدا شديدا. هذا لسان الأدب ومراعاة الظواهر في تحقيق البواطن ، وأما الحقيقة فتحكم بأن الشقي لما كان في المراتب المذكورة في النار لم يخرج منها بل انتقل من طبقة منها إلى طبقة أخرى ومن دركة إلى دركة فكان في حكم الخلود فالمراد بالاستثناء غيره وهو أنه من حيث الأحدية مع ربّه والربّ آخذ بناصيته على صراط مستقيم يقوده ريح الدبور ـ التي هي هوى نفسه ـ يسوقه إلى جهنم ، فهو هنالك في عين القرب مع هوى نفسه فيتلذذ بما
__________________
(١) سورة الحشر ، الآية : ١٣.