يوافقه فتصير عين النعيم ، فزال مسمى النار في حقه وصار جنة لتلذذه به وإن كان بعيدا عن نعيم السعيد كما جاءفي الحديث : «سينبت في قعر جهنم الجرجير». وفيه : «يأتي على جهنم زمان يصفق أبوابها ليس فيها أحد». وكذا السعيد ، فإن انتقاله في الجنان ودرجاتها والخروج بحكم الاستثناء غير ذلك فهو بفنائه في أحدية الذات واحتراقه بلوعة العشق في سبحات الجمال حيث كان الحق شاهدا ومشهودا لا في مقام المشاهدة بوجود الروح بل بالشهود الذاتي الأحدي الذي لم يبق فيه لغيره عين ولا أثر ولا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وإن جعل التنكير في قوله : (شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) للنوعية لا للتعظيم ، جاز تأويل خروج الشقي من النار بالترقي إلى الجنة من مقامه بزكاء نفسه عن الهيئات المظلمة وتبعات المعاصي وحينئذ لا يكون شقيّ الأبد.
[١١٢] (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢))
(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) في القيام بحقوق الله بالله ، فإنه عليه الصلاة والسلام مأمور بمحافظة حقوق الله والتعظيم لأمره والتسديد لخلقه بضبط أحكام التجليات الصفاتية بعد الرجوع إلى الخلق مع شهود الوحدة الذاتية بحيث لا يتحركولا يسكن ولا ينطق ولا يتفكّر إلا به من غير ظهور تلوين من بقايا صفاته أو ذاته ولا يخطر له خاطر بغيره من غير إخلال بشرط ما من شرائط التعظيم كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أفلا أكون عبدا شكورا؟» حين تورمت قدماه من قيام الليل وقيل له : أما بشّرك الله بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (١)؟ ، ولا بدقيقة من باب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف والإنذار والدعوة وذلك في غاية الصعوبة.
ولهذاقال : «شيبتني سورة هود». قيل : رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعض العرفاء في المنام ، فسأله عن ذلك وقال : لما ذا يا رسول الله؟ ألقصص الأنبياء وما نزل بأممهم المكذّبين من العذاب وما كانوا يقاسون من أممهم؟. قال : «لا ، بل لقوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ). (وَمَنْ تابَ) عن أنيته وذنب وجوده (مَعَكَ) من الموحدين الواصلين إلى شهود الكثرة في عين الوحدة ومقام البقاء بعد الفناء (وَلا تَطْغَوْا) بالاحتجاب بحجاب الأنانية ونسبة الكمالات الإلهية المطلقة إلى أنائيتكم المشخصة المقيدة برؤيتها لكم ، الموجبة للاحتجاب بالتقيد عن الإطلاق ، فإن الهوية الإلهية لا تتقيد بإشارة الهذية والأنانية (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أتعملونه بي أم بأنفسكم؟.
[١١٣] (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣))
__________________
(١) سورة الفتح ، الآية : ٢.