(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : أشركوا بهوى كامن ، ناشئ عن وجود بقية خفية أو التفات خفيّ إلى إثبات غيره ، فإنه هو الزيغ المقارن للطغيان في قوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧)) (١) ، (فَتَمَسَّكُمُ) نار السخط والحرمان بالاحتجاب والتعذيب بالفراق من نيران غيرة المحبوب ، كماقال تعالى لحبيبه صلىاللهعليهوسلم : «بشر المذنبين بأني غفور ، وأنذر الصديقين بأني غيور»ولهذا المعنىقال : «والمخلصون على خطر عظيم». فإن دقائق ذنوب أحوالهم أدقّ من أن تدرك بالعقل وأشد عقابا من أن تتوهم بالوهم (وَما لَكُمْ) حينئذ (مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) يتولونكم من عقابه ويدبرون أموركم ويربونكم (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) من بأسه ، وهذا تهديد لأوليائه فكيف بأعدائه.
[١١٤ ـ ١١٧] (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧))
(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما يرد عليه من الهيئات الجسمانية ، وتجذبه عن الحضرة الرحمانية ، وتحجبه عن النور ، والحضور بالإعراض عن جناب القدس والتوجه إلى معدن الرجس ، وتبدّله الوحشة بالأنس ، والكدورة بالصفاء ، فرضت خمس صلوات يتفرغ فيها العبد للحضور ويسدّ أبواب الحواس لئلا يردّ على القلب شاغل يشغله ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية لوصول مدد النور ويجمع همّه عن التفرّق ويستأنس بربّه عن التوحش مع اتحاد الوجهة ، وحصول الجمعية ، فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب على جناب الربّ يدخل بها عليه النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جناب الغرور ودار اللعين الغرور التي تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد آثار ظلماتها ويكسح غبار كدوراتها ، وهذا معنى قوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) وقدورد في الحديث : «إنّ الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر». وأمر بإقامتها في طرفي النهار لينسحب حكمها ببقاء الجمعية واستيلاء الهيئة النورية في أوله إلى سائر الأوقات ، فعسى أن يكون من : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)) (٢) لدوام ذلك الحضور ، وبقاء ذلك النور يكسح ويزيل في آخره ما حصل في سائر الأوقات من التفرقة
__________________
(١) سورة النجم ، الآية : ١٧.
(٢) سورة المعارج ، الآية : ٢٣.