لم يتم بعد لوجود البقية المشار إليها بقوله :
(اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) أي : اطلب الوجود في مقام الروح بالمحبة والاستقرار فيه ، فإنّ المحبة إذا أسكرت الروح بخمر العشق ارتقى الروح إلى مقام الوحدة والقلب إلى مقام الروح ، ويسمى الروح في ذلك المقام خفيا والقلب سرا ، وهو ليس بالفناء لكونهما موجودين حينئذ مغمورين بنور الحق. ومن الوقوف في هذا المقام ينشأ الطغيان والأنانية فلهذا قال : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) أي : أنسى شيطان الوهم يوسف القلب ذكر الله تعالى بالفناء فيه لوجود البقية وطلبه مقام الروح وإلا ذهل عن ذكر نفسه ووجوده وللاحتجاب بهذا المقام وهذه البقية لبث (فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) وإليهأشار النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «رحم الله أخي يوسف ، لو لم يقل اذكرني عند ربّك لما بقي في السجن بضع سنين»، أو أنسى شيطان الوهم المقهور الممنوع المحجوب عن جناب الحق رسول المحبة المقرب عند ارتفاع درجته واستيلائه واستعلاء سلطانه ، والتحيّر في الجمال الإلهي ، والسكر الغالب ذكر يوسف القلب في حضرة الشهود لأن المحب المشاهد للجمال حيران ذاهل عن الخلق كله وتفاصيل وجوده بل نفسه مستغرق في عين الجمع حتى يتم فناؤه وينقضي سكره ثم يرجع إلى الصحو فيذكر التفصيل ثم لما انتهى فناؤه بالانغماس في بحر الهوية والانطماس في الذات الأحدية وانقضى زمان السجن أحياه الله تعالى بحياته ووهب له وجودا من ذاته وصفاته فأراه صورة التبديل في صفات النفس مدّة اعتزاله عنها بالخلوة والسلوك في الله بصورة أكل البقرات العجاف السمان ، وفي صفات الطبيعة البدنية بصورة استيلاء السنبلات اليابسة على الخضر والملك الذي قال :
(إِنِّي أَرى) قيل : هو ريان بن الوليد الذي ملك قطفير على مصر وولّاه عليها لا العزيز المسمّى قطفير ، وإن كان العزيز بلسان العرب هو الملك فعلى هذا يكون الملك إشارة إلى العقل الفعال ملك ملوك الأرواح المسمّى روح القدس ، فإن الله تعالى لا يحيي أهل الولاية عند الفناء التامّ الذي هو بداية النبوّة إلا بواسطة نفخه ووحيه وبالاتصال به تظهر التفاصيل في عين الجمع ولهذا قالوا لما دخل عليه كلمه بالعبرانية فأجابه بها وكان عارفا بسبعين لسانا فكلمه بها ، فتكلم معه بكلمها والملأ الذين قالوا : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) هي القوى الشريفة من العقل والفكر المحجوب بالوهم والوهم نفسه المحجوبة عن سرّ الرياضة والتبديل ، كما ترى المحجوبين بها الواقفين معها يعدّون أحوال أهل الرياضات من الخرافات ورسول المحبة الذي ادّكر بعد أمة إنما يذكر بواسطة ظهور ملك روح القدس وإيحائه وإراءته تفاصيل وجوده بالرجوع إلى الكثرة بعد الوحدة وإلا لكان فيه حالة الفناء ذاهبا في عين الجمع لا يرى فيها وجود القلب ولا غيره ، فكيف يذكره إنما يدّكره بظهوره بنور الحق بعد عدمه.