إذ لا متمم لتفاصيل الصفات إلا هو عليه الصلاة والسلام وإلا لكان غيره خاتما السبيل الحق كما ختم لأن كل أحد لا يمكنه الدعوة إلا إلى المقام الذي بلغ إليه من الكمال (وَسُبْحانَ اللهِ) أنزهه من أن يكون غيره على سبيله ، بل هو السالك سبيله والداعي إلى ذاته (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) المثبتين للغير في مقام التوحيد الذاتي ، المحتجبين عنه بالأنائية ، بل أنا به ، فإن عنى فهو الداعي إلى سبيله.
[١٠٩] (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩))
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) أي : من كان فيه بقيّة من الرجولية من أهل قرى الصفات والمقامات لا من مصر الذات ، فإن البقاء الحاصل لأهل التمكين لا يكون إلا بقدر الفناء. والرجوع إلى الخلق لا يكون إلا على حسب العروج. فالفناء التام والعروج الكامل لا يكون إلا للقطب الذي هو صاحب الاستعداد الكامل الذي لا رتبة إلا قد يبلغها ويلزم أن يكون الرجوع التامّ الشامل لجميع تفاصيل الصفات عند البقاء له وهو الخاتم ولهذاقال عليه الصلاة والسلام : «كان بنيان النبوّة تم ورصف وبقي منه موضع لبنة واحدة ، فكنت أنا تلك اللبنة».
وإلى هذا المعنىأشار بقوله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أرض استعدادهم (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ) نهاية أمر (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وغاية كمالهم ، فيبلغوا منتهى إقدامهم ويحصلوا كمالاتهم بحسب استعداداتهم ، فإنّ لكل أحد خاصية واستعداده الخاص يقتضي سعادة خاصة هي عاقبته ، ومن الاطلاع على خواص النفوس وغايات إقدامهم في السير يحصل للنفس هيئة اجتماعية من تلك الكمالات هي كمال الأمّة المحمدية على حسب اختلاف استعداداتهم وهي الدار الآخرة التي هي خير للذين اتّقوا صفات نفوسهم التي هي حجب الاستعدادات (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أنّ هذا المقام خير مما أنتم عليه من الدار الفانية وتمتعاتها ، فإنها (لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١).
[١١٠] (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠))
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) أي : ساروا واتّقوا وتراخى فتحهم ونصرهم في الكشوف على كفرة قوى النفس حتى إذا استيأس الرسل الذين هم أشراف القوم من بلوغ الكمال
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية : ٦٤.