(إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ) سجن الخلوة التي كنت فيها محجوبا عن شهود الكثرة في عين الوحدة ومطالعة الجمال في صفات الجلال (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ) بدو خارج مصر الحضرة الإلهية (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ) شيطان الوهم (بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) بتحريضه إياهم على إلقائي في قعر بئر الطبيعة ، بانهماكهم وتهالكهم على اللذات البدنية (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ) يلطف بأحبابه بتوفيقهم للكمال وتدبير أمورهم بحسب مشيئته الأزلية وعنايته القديمة (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بما في الاستعدادات (الْحَكِيمُ) بترتيب أسباب الكمال وتوفيق المستعدّ للوصول إليه.
[١٠١ ـ ١٠٨] (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥))
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) أي : من توحيد الملك الذي هو توحيد الأفعال (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي : معاني المغيبات وما يرجع إليه صورة الغيب ، وهو من باب توحيد الصفات. (فاطِرَ) سموات الصفات في مقام القلب وأرض توحيد الأفعال في مقام النفس (أَنْتَ وَلِيِّي) بتوحيد الذات في دنيا الملك وآخرة الملكوت (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) أفنني عني في حالة كوني منقادا لأمرك لا طاغيا ببقاء الإنية (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الثابتين في مقام الاستقامة بعد الفناء في التوحيد.
(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ) الإيمان العلمي (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) بإثبات موجود غيره أو الإيمان العيني إلا وهم مشركون باحتجابهم بأنانيتهم (غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) حجاب يحجب استعدادهم عن قبول الكمال من هيئة راسخة ظلمانية (أَوْ تَأْتِيَهُمُ) القيامة الصغرى (بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنور الكشف والتوحيد ، فلا يرتفع حجابهم فيبقون في الاحتجاب أبدا.
(قُلْ هذِهِ) السبيل التي أسلكها ، وهي سبيل توحيد الذات (سَبِيلِي) المخصوص بي ، ليس عليه إلا أنا وحدي (أَدْعُوا إِلَى) الذات الأحدية الموصوفة بكل الصفات في عين الجمع (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) في هذه السبيل وكل من يدعو إلى هذه السبيل فهو من أتباعي ، إذ الأنبياء قبلي كلهم كانوا داعين إلى المبدأ والمعاد وإلى الذات الواحدية الموصوفة ببعض الصفات إلا إبراهيم عليهالسلام فإنه قطب التوحيد ، ولهذا كان صلىاللهعليهوسلم من أتباعه باعتبار الجمع دون التفصيل ،