(هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) إشارة إلى تنزل القلب إلى مقامهم في محل الصدر ليعرفوه فيتذكروا حالهم في البداية وما فعلوا به في زمان الجهل والغواية. وقولهم : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) تعجب منهم عن حاله بتلك الهيئة النورانية والأبهة السلطانية وبعدها عن حال بدايته.
وقوله : (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) إلى آخره ، إشارة إلى علّة ذلك وسبب كمالهم. وقولهم : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) إشارة إلى تهدي القوى عند الاستقامة إلى كماله ونقصها.
وقوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) لكونها مجبولة على أفعالها الطبيعية. وقوله : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) إشارة إلى براءتها من الذنب عند التنوّر بنور الفضيلة والتأمر بأمره عند الكمال.
والقميص هو الهيئة النورانية التي اتصف بها القلب عند الوصول إلى الوحدة في عين الجمع والاتصاف بصفات الله تعالى. وقيل : هو القميص الإرثي الذي كان في تعويذه حين ألقي في البئر ، وهو إشارة إلى نور الفطرة الأصلية. كما أن الأول إشارة إلى نور الكمال الحاصل له بعد الوصول ، والأول أولى بتبصير عين العقل فإنّ العقل لما لم تكتحل بصيرته بنور الهداية الحقانية عمي عن إدراك الصفات الإلهية. (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : ارجعوا إليّ عن آخركم في مقام الاعتدال ومراعاة التوسط في الأفعال ، فإن القلب متوسط بين جهتي العلو والسفالة ، وانضموا إليّ ، وائتمروا بأمري ، واقربوا مني ولا تبعدوا عن مقامي في طلب اللذات البدنية بمقتضى طباعكم. وريحه الذي وجده من بعيد هو وصول أثر رجوع القلب إلى عالم العقل والمعقول ، وإقباله إليه من محض التوحيد بتجهيز القوى الحيوانية بجهاز الحظوظ على حكم العدالة وقانون الشرع والعقل ، فقد قيل : إنه جهّز العير بأجمل ما يكون ، ووجهها إلى كنعان. وضلاله القديم هو : تعشّقه بالقلب أزلا وذهوله عن جهتهم.
وقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) إشارة إلى سابق علمه برجوع القلب إلى مقام العقل. واستغفاره لهم : تقريره إياهم على حكم الفضائل العقلية بالاستقامة بعد صفائهم وذكائهم وقبولهم للهيئات النورانية بعد خلع الظلمانية. ودخولهم على يوسف هو وصولهم إلى مقام الصدر حال الاستقامة. ودخولهم مصر كون الكل في حضرة الجمعية الإلهية الواحدية مع تفاضل مراتبهم في عين جمع الوحدة. ورفع أبويه على العرش عبارة عن ارتفاع مرتبتي العقل والنفس عن مراتب سائر القوى وزيادة قربهما إليه وقوّة سلطنتهما عليها. وخرورهم له سجدا عبارة عن انقياد الكل وطاعتهم له بالأمر الوحداني بلا فعل حركة بأنفسهم بحيث لا يتحرك منها شعر ولا ينبض لها عرق إلا بالله. وتأويل رؤياه صورة ما تقرّر في استعداده الأول من قبول هذا الكمال.
(قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) أخرجها من القوة إلى الفعل (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) بالبقاء بعد الفناء