الهيبة والخشية (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) عند تجلي الأفعال في مقام النفس فينظرون إلى البطش والعقاب فيلزمهم الخوف.
[٢٢] (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢))
(وَالَّذِينَ صَبَرُوا) في سلوك سبيله عن المألوفات طلبا لرضاه واشتغلوا بالتزكية بالعبادات المالية والبدنية ويدفعون بالفضيلة رذيلة النفس (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) بالرجوع إلى الفطرة أو صبروا عن صفات نفوسهم ابتغاء وجه ربّهم ، أي : لمحبة الذات لا لمحبة الصفات ، وأقاموا صلاة المشاهدة وأنفقوا مما رزقناهم من المقامات والأحوال والكشوف والأعمال سرّا بالتجريد عن هيئاتها وهيئات الركون إليها والمحبة إياها ، وعلانية بتركها وعدم الالتفات إليها ، ويدرؤن بالحسنة الحاصلة من تجلي الصفة الإلهية السيئة التي هي صفة النفس (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أي : البقاء بعد الفناء.
[٢٣ ـ ٢٧] (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧))
(جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي : ثلاثتها ، يدخلون جنة الذات مع من صلح من آباء الأرواح ، وجنّة الصفات بالقلوب ، وجنّة الأفعال بمن صلح من أزواج النفوس وذريّات القوى (وَالْمَلائِكَةُ) من أهل الجبروت والملكوت (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) من أبواب الصفات مسلمين محيين إياهم بتحايا الإشراقات النورية والأمداد القدسية كل ذلك بسبب صبرهم على اللذات الحسيّة (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) أي : ليس الهداية والضلال بالآيات فإن في كل شيء آية ، وكفى بالآيات المنزلة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنما هما بالمشيئة الإلهية ، يضلّ من يشاء لعدم الاستعداد أو لحجبهم بالغواشي الظلمانية (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) بتصفية الاستعداد من المحبين. وكما أن أهل الضلال فريقان عديم الاستعداد وحاجبه بظلمة البشرية ، فكذلك أهل الهداية قسمان : محبوبون يهتدون بغير الإنابة لقوة الاستعداد ومحبّون يهديهم الله بعد الإنابة ، كما قال تعالى : (يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (١).
__________________
(١) سورة الشورى ، الآية : ١٣.