[١٧] (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧))
(أَنْزَلَ) من سماء روح القدس ماء العلم (فَسالَتْ) أودية القلوب بقدر استعداداتها (فَاحْتَمَلَ) سيل العلم (زَبَداً) من خبث صفات أرض النفس ورذائلها ودناياها (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ) في نار العشق من المعارف والكشوف والحقائق والمعاني التي تهيج العشق (ابْتِغاءَ) زينة النفس وبهجتها بها لكونها كمالات لها (أَوْ مَتاعٍ) من الفضائل الخلقية التي يحصل بسببها ، فإنها مما يتمتع به النفس (زَبَدٌ مِثْلُهُ) خبث كالنظر إليها ورؤيتها وتصور النفس كونها كاملة أو فاضلة متزينة بزينة تلك الأوصاف وإعجابها واحتجابها وسائر ما يعدّ من آفات النفس وذنوب الأحوال (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) مرميا به منفيا بالعلم كما قال تعالى : (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (١) ، (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من المعاني الحقيّة والفضائل الخالصة (فَيَمْكُثُ) في أرض النفس.
[١٨ ـ ٢١] (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١))
(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ) بتصفية الاستعداد عن كدورات صفات النفس (الْحُسْنى) أي :المثوبة الحسنى وهو الكمال الفائض عليهم عند الصفاء المعبر عنه بقوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) (٢) ، (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا) لم يتزكوا عن الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية لا يمكنهم الافتداء بكل ما في الجهة السفلية من الأموال والأسباب التي انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا نفوسهم ، لأن تلك سبب زيادة البعد والهلاك ، فكيف تكون سببا لخلاصهم عن تلك الظلمات وتبرئهم عنها؟ ، لا ينفعهم عند رسوخ هيئات التعلق بها في أنفسهم (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) لوقوفهم مع الأفعال في مقام النفس الذي هو مقام العدل الإلهي ، فلا بد لهم من المناقشة في الحساب (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) صفات النفس ونيران الحرمان وهيئات السوء (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) عند تجلي الصفات في مقام القلب ، فيشاهدون جلال صفة العظمة ويلزمهم
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ١١.
(٢) سورة النور ، الآية : ٣٥.