بالتفكر في صفاته والنظر العقلي في إثباته وما يجب له ويمتنع عليه من الصفات (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) القوي في رفع الحيل العقلية في الإدراك وطمس نور بصيرته بالتجلي وإحراقه بنور العشق.
[١٤] (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤))
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) أي : الدعوة الحقيّة التي ليست بالباطل له لا لغيره يدعو نفسه فيستجيب كما قال تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) (١) أي : الدين الخالص ليس إلا دينه ومعناه : أنّ الدعوة الحقّة الحقيقة بالإجابة هي دعوة الموحد الفاني عن نفسه ، الباقي بربّه ، وكذا الدين الخالص دينه. والدعاة القائمون بأنفسهم لا يدعون إلا من تصوّروه ونحتوه في خيالهم فلا يستجاب لهم إلا كاستجابة الجماد الذي يطلب منه الشيء ، ولعمري أنه لا يدعو الله إلا الموحد وغيره يدعو الغير الموهوم الذي لا قدرة له ولا وجود فلا استجابة ، وهو الذي حجب استعداده بصفات نفسه فلا يعلم ما استحقه فضاع دعاؤه ولا يكون مثل هذا الدعاء إلا في ضياع أو دعوة الحق جل وعلا ، لا تكون إلا له ، أو دعوة المدعوّ الذي هو الحق هي الدعوة المختصة بذاته لا يدعى بها غيره من أسمائه وصفاته والواصفيون الذين يدعون أسماءه وصفاته من دون ذاته لا يستجيبهم المدعو إلا استجابة كاستجابة داعي الماء بالإشارة لكونهم محجوبين (وَما دُعاءُ) المحجوبين (إِلَّا فِي) ضياع.
[١٥ ـ ١٦] (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦))
(وَلِلَّهِ) ينقاد (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الحقائق الروحانيات كأعيان الجواهر وملكوت الأشياء (وَظِلالُهُمْ) أي : هياكلهم وأجسادهم التي هي أصنام تلك الروحانيات وظلالها ، ولهذاقرأ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السجدة : «سجد لك وجهي ، وسوادي ، وخيالي»أي :حقيقة ذاتي وسواد شخصي وخيال نفسي ، أي : وجودي وعيني وشخصي (طَوْعاً وَكَرْهاً) أي : شاؤوا أو أبوا ، والمعنى يلزمهم ذلك اضطرارا ، لا أن بعضهم طائع وبعضهم كاره (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي : دائما (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ) أي : من كل ما عداه كائنا من كان (أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) إذ القادر المالك هو الله لا غير.
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٣.