(لَهُ مُعَقِّباتٌ) أمداد متعاقبة من الملكوت واصلة إليه من أمر الله (يَحْفَظُونَهُ مِنْ) خطفات جنّ القوى الخيالية والوهمية وغلبات البهيمية والسبعية وإهلاكها إياه (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من نعمة وكمال ظاهر أو باطن (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الاستعداد وقوة القبول ، فإنّ الفيض الإلهي عامّ متصل كالماء الجاري ، ألم تر إلى قوله تعالى : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (١) فيتلوّن بلون الاستعداد ، فمن تكدّر استعداده تكدّر فيضه فزاد في شرّه ، ومن تصفّى استعداده تصفّى فيضه فزاد في خيره ، وكذا النعم الظاهرة لا بدّ في تغيرها إلى النقم من استحقاق جلي أو خفي ، ولهذا قال المحققون : إنّ الدعاء الذي لا يتخلف عنه الاستجابة المشار إليه بقوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٢) هو الذي يكون بلسان الاستعداد. وعن بعض السلف : أن الفأرة مزقت خفيّ ، وما أعلم ذلك إلا بذنب أحدثته وإلا ما سلطها الله عليّ. وتمثل بقول الشاعر :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
[١٢] (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢))
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ) برق لوامع الأنوار القدسية والخطفة الإلهية (خَوْفاً) أي : خائفين من سرعة انقضائه وبطء رجوعه (وَطَمَعاً) أي : طامعين في ثباته وسرعة رجوعه (وَيُنْشِئُ) سحاب السكينة (الثِّقالَ) بماء العلم اليقيني والمعرفة الحقة.
[١٣] (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣))
(وَيُسَبِّحُ) رعد سطوة التجليات الجلالية أي يسبّح الله ويمجده عما يتصوّر في العقل من ترد عليه تلك التجليات لوجد أنه ما لا يدركه العقل ويحمده حق حمده بالكمال المستفاد من ذلك التجلي حمدا فعليا فيكون التسبيح للرعد الموجب لذلك أو السطوة تسبح بنفس التجلي المنزّه عن أن يدرك بالإدراك العقلي (وَالْمَلائِكَةُ) أي : ملكوت القوى الروحانية من هيبته وجلاله (وَيُرْسِلُ) صواعق السبحات الإلهية بتجلي القهر الحقيقي المتضمن للطف الكلي فيسلب الوجود عن المتجلي عليه ويفنيه عن بقية نفسه ، كماورد في الحديث : «إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه». (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) من عباده المحبوبين والمحبين العشاق المشتاقين (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ)
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ٤.
(٢) سورة غافر ، الآية : ٦٠.