[١٢] (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢))
(وَجَعَلْنَا) ليل الكون وظلمة البدن ونهار الإبداع ونور الروح يتوصل بهما وبمعرفتهما إلى معرفة الذات والصفات (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) بالفساد والفناء (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ) بينة باقية أبدا ، منيرة بكمالها ، تبصر بنورها الحقائق (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) أي :كمالكم الذي تستعدّونه (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ) المراتب والمقامات أي : لتحصوها من أول حال بدايتكم إلى كبر نهايتكم بالترقي فيها وحساب أعمالكم وأخلاقكم وأحوالكم ، فلا تجدوا شيئا من سيئات أعمالكم إلا وتكفرونه بحسنة مما يقابله من جنسه ولا رذيلة من أخلاقكم إلا وتكفرونها بضدها من الفضيلة ، ولا ذنبا من ذنوب أحوالكم إلا وتكفرونه بالإنابة إلى جناب الحق (وَكُلَّ شَيْءٍ) من العلوم والحكم (فَصَّلْناهُ) بنور عقولكم عند الكمال ونزول العقل الفرقاني (تَفْصِيلاً) أي : علما تفصيليا مستحضرا لا إجماليا مغفولا عنه كما في العقل القرآني عند البداية.
[١٣ ـ ١٥] (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥))
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) أي : جعلنا سعادته وشقاوته وسبب خيره وشره لازما لذاته لزوم الطوق في العنق ، كماقال : «السعيد من سعد في بطن أمه والشقيّ من شقي في بطن أمه».
(وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الصغرى عند الخروج من قبر جسده (كِتاباً) هيكلا مصورا بصور أعماله مقلّدا في عنقه (يَلْقاهُ) للزومه إياه (مَنْشُوراً) لظهور تلك الهيئات فيه بالفعل مفصلة لا مطويا كما كان عند كونها فيه بالقوة ، يقال له : (اقْرَأْ كِتابَكَ) أي : اقرأه قراءة المأمور الممتثل لأمر آمر مطاع يأمره بالقراءة ، أو تأمره القوى الملكوتية سواء كان قارئا أو غير قارئ ، لأن الأعمال هناك ممثلة بهيئاتها وصورها يعرفها كل أحد لا على سبيل الكتابة بالحروف فلا يعرفها الأميّ (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) لأن نفسه تشاهد ما فعلته لازما إياها نصب عينها مفصلا لا يمكنها الإنكار ، فبين لها غيرها (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) لرسوخ هيئة ما فعلته فيها وصيرورتها ملكة لازمة دون الذي فعل غيرها ، ولم يعرض لها منه شيء ، وإنما يتعذب من يتعذب بالهيئات التي فيه لا من خارج.
(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) رسول العقل بإلزام الحجة وتمييز الحق والباطل.