المخصوص بكل منها من مباديها في الأزل كماقال عليه الصلاة والسلام : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة»، حتى انتهت الدرجات في العلوّ إلى الفناء في التوحيد الذاتي ، فبهذا الاعتبار يكون محمد عليهالسلام عين آدم بل عين السبعة وكذا باعتبار كونه جامعا لصفاتهم كما قيلأنه سأله أبو يزيد رحمة الله عليه : أنت من السبعة؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «أنا السبعة». وباعتبار علوّ مرتبته ومكانته ، وسبقه في القدم وارتفاع درجة كماله وفضيلته ، كان أقدمهم وأولهم وأفضلهم كماقال : «أول ما خلق الله نوري وكنت نبيّا وآدم بين الماء والطين». فهو متقدم عليهم بالرتبة والعلية والشرف والفضيلة ، متأخر عنهم بالزمان وهو عينهم باعتبار السر والوحدة الذاتية ، فالحاصل أن اختلافهم وتباينهم روحا وقلبا ونفسا لا ينافي اتحادهم في الحقيقة وكذا افتراقهم بالأزمنة لا ينافي معيتهم في الأزل والأبد وعين الجمع كما قال : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) مع قوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) (٢). ويجوز أن يكون المراد بأصحاب الكهف روحانيات الإنسان التي تبقى بعد خراب البدن. وقول من قال : ثلاثة ، إشارة إلى الروح والعقل والقلب. والكلب هي النفس الملازمة لباب الكهف. ومن قال : خمسة إشارة إلى الروح والقلب والعقل النظري والعقل العمليّ والقوة القدسية للأنبياء التي هي الفكر لغيرهم. ومن قال : سبعة فتلك الخمسة مع السرّ والخفاء والله أعلم.
[١٠] (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠))
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي : كهف البدن بالتعلق به (فَقالُوا) بلسان الحال (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) أي : من خزائن رحمتك التي هي أسماؤك الحسنى (رَحْمَةً) كما لا يناسب استعدادنا ويقتضيه (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) الذي نحن فيه من مفارقة العالم العلوي والهبوط إلى العالم السفلي للاستكمال (رَشَداً) استقامة إليك في سلوك طريقك والتوجه إلى جنابك ، أي : طلبوا بالاتصال البدني والتعلق بآلات الكمال وأسبابه الكمال العلمي والعملي.
[١١] (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١))
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أي : أنمناهم نومة الغفلة عن عالمهم وكمالهم نومة ثقيلة لا ينبههم صفير الخفير ولا دعوة الداعي الخبير. في كهف البدن (سِنِينَ) ذوات عدد ، أي :كثيرة أو معدودة أي : قليلة هي مدة انغماسهم في تدبير البدن وانغمارهم في بحر الطبيعة مشتغلين بها ، غافلين عما وراءها من عالمهم إلى أوان بلوغ الأشد الحقيقي ، والموت الإرادي
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٣.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٣٦.