(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) أي : في العالم الروحاني كله ، بواطنه وصفاته وأستار غيوبه ودفائن جوده (وَما فِي الْأَرْضِ) أي : في العالم الجسمانيّ كله ظواهره وأسماؤه وأفعاله ، تشهد العالمين ، وهو على كل شيء شهيد (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) يشهده بأسمائه وظواهره ، فيعلمه ويحاسبكم به ، وإن تخفوه يشهده بصفاته وبواطنه فيعلمه ويحاسبكم به (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لتوحيده وقوّة يقينه ، وعروض سيئاته ، وعدم رسوخها في ذاته ، فإنّ مشيئته مبنيّة على حكمته (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لفساد اعتقاده ، ووجود شكّه ، أو رسوخ سيئاته في نفسه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على المغفرة والتعذيب جميعا.
[٢٨٥] (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥))
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) صدقه بقبوله والتخلق به ، كما قالت عائشة : «كان خلقه القرآن والترقي بمعانيه والتحقيق». (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) وحده جميعا (وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) أي : وحده تفصيلا عند الاستقامة مشاهدا لوحدته في صورة تلك الكثرة معطيا لكل تجلّ من تجلياته في مظهر من مظاهره حكمة (لا نُفَرِّقُ) أي : يقولون : لا نفرّق بينهم بردّ بعض وقبول بعض ، ولا نشك في كونهم على الحق وبالحق لشهود التوحيد ومشاهدة الحق فيهم بالحق (وَقالُوا سَمِعْنا) أي : أجبنا ربّنا في كتبه ورسله ونزول ملائكته واستقمنا في سيرنا (غُفْرانَكَ رَبَّنا) أي : اغفر لنا وجوداتنا وصفاتنا وامحها بوجودك ووجود صفاتك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) بالفناء فيك.
[٢٨٦] (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦))
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) لا يحملها إلّا ما يسعها ، ولا يضيق به طوقها واستعدادها من التجليات ، فإن حظ كلّ أحد من الكشوف والتجليات ما يطيق به وعاء استعداده الموهوب له في الأزل من الفيض الأقدس ، ولا يضيق عليه (لَها ما كَسَبَتْ) من الخيرات والعلوم والكمالات والكشوف على أيّ وجد ، سواء كانت بقصدها أو لا بقصدها ، فإنها من عالم النور فالخيرات كلها ذاتية لها ، ترجع فائدتها إليها دون الشرور من الجهالات