والرذائل والمعاصي والنقائص ، فإنها أمور ظلمانية غريبة عن جوهرها فلا تضرّها ولا تلحق تبعتها بها إلا إذا كانت منجذبة إليها متوجهة بالقصد والاعتمال لتكسبها ولهذا ورد في الحديث : «إن صاحب اليمين يكتب كل حسنة تصدر عن صاحبها في الحال ، وصاحب الشمال لا يكتب حتى تمضي عليه ست ساعات ، فإن استغفر فيها وتاب أو ندم ، فلم يكتب ، وإن أصرّ كتب». والمراد بالنفس هاهنا الذات وإلا لكان الأمر بالعكس ، فيكون حينئذ معناه لا يكلفها إلا ما يسعها ويتيسر لها من الأعمال دون مدى الجهد والطاقة وذكر الكسب في موضع الخير لكونها غير معتنية به معتملة له ، والاكتساب في موضع الشرّ لكونها منجذبة إليه ، معتملة له بالقصد ، لكونها مأوى الشرّ.
(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا) عهدك (أَوْ أَخْطَأْنا) في العمل لما سواك ، والقران على فراقك محتجبين عنك ، فإنّا غرباء ، بعداء ، طال العهد بنا مسافرين عنك ، ممتحنين في الظلمات بأنواع البلاء ، ولا قدر ولا مقدار لنا في حضرتك ، حتى تؤاخذنا بذنوبنا (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) في ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا ، فتأصرنا وتحبسنا في مكاننا مهجورين عنك ، فإنه لا ثقل أثقل منها (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) من المحتجبين بظواهر الأفعال أو بواطن الصفات (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك ، ومشاهدة جمالك ، بحجب جلالك (وَاعْفُ عَنَّا) سيئات أفعالنا وصفاتنا فإنها كلها سيئات حجبتنا عنك ، وحرمتنا برد عفوك ولذة رضوانك (وَاغْفِرْ لَنا) ذنوب وجوداتنا فإنها أكبر الكبائر كما قيل.
إذا قلت ما أذنبت قالت مجيبة |
|
وجودك ذنب لا يقاس به ذنب |
(وَارْحَمْنا) بالوجود الموهوب بعد الفناء (أَنْتَ مَوْلانا) ناصرنا ومتولي أمورنا (فَانْصُرْنا) فإنّ من حق الوليّ أن ينصر من يتولّاه ، أو سيدنا ، ومن حقّ السيد أن ينصر عبيده (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) من قوى نفوسنا الأمّارة وصفاتها ، وجنود شياطين أوهامنا وخيالاتنا ، المحجوبين عنك ، الحاجبين إيّانا بكفرها وظلمتها.