والشكر ثلاثة أنواع : شكر القلب وهو تصور النعمة ، وشكر اللسان وهو الثناء على المنعم ، وشكر سائر الجوارح ، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها ، والقرآن الكريم يدعو الى التحلي بالأنواع الثلاثة ، ولذلك قال :
(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) فهو قد قال : «اعْمَلوا» ولم يقل اشكروا ، لينبه على التزام الأنواع الثلاثة ، ومن هنا ذكر حجة الاسلام الغزالي أن الشكر يتحقق بعلم وحال وعمل ، فالعلم هو معرفة النعمة من المنعم ، والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه ، والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ، وهذا العمل يتعلق بالقلب واللسان والجوارح.
ويعبّر ابن القيم عن حقيقة الشكر بأنه ظهور الأثر لنعمة الله تعالى على لسان عبده ثناء واعترافا ، وعلى قلبه شهودا ومحبة ، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة ، ولا بد من خضوع الشاكر للمشكور ، وحبّه له ، واعترافه بنعمته ، وثنائه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره.
* *
وللشكر في نظر الدين منزلة رفيعة ومكانة مجيدة ، حتى ورد عن ابن مسعود أن الشكر نصف الايمان ، وكذلك ورد أن الايمان شطران هما الصبر والشكر ، ولذلك أمر الله به ـ كما قال ابن القيم ـ ونهى عن ضده ، وأثنى على أهله ، ووصف به خواصّ خلقه ، وجعله غاية خلقه وأمره ، ووعد أهله بأحسن جزائه ، وجعله سببا للمزيد من فضله وحارسا وحافظا لنعمته ، وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته ، واشتق لهم اسما من أسمائه ، فإنه سبحانه هو الشكور ، وهو يوصل الشاكر الى مشكوره ، بل يعيد الشاكر مشكورا ، وهو غاية الرب من عبده ، وأهله هم القليل من عباده.
ولقد نوه الحديث النبوي بهذه المكانة للشكر حين قال : «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» ، وقد قطع الله تعالى بتحقيق المزيد من النعمة مع الشكر ،