فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً». وقال في سورة الانسان : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً). ثم أفهمنا القرآن المجيد أن تقوى الله تعالى هي مفتاح التوفيق للتحلي بالشكر والتمتع بثمراته ، فقال في سورة آل عمران (فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ولله در حجة الاسلام الامام الغزالي حين يتفنن في إعطائنا صورا كثيرة للشكر ، فيذكر في «الاحياء» ، أن حياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكر ، والاعتذار عن قلة الشكر شكر ، والمعرفة بعظيم حلم الله وكنف ستره شكر ، والاعتراف بأن النعم ابتداء من الله تعالى من غير استحقاق شكر ، والعلم بأن الشكر أيضا نعمة من نعم الله وموهبة منه شكر ، وحسن التواضع للنعم والتذلل فيها شكر ، وشكر الوسائط شكر ، وقلة الاعتراض وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر ، وتلقي النعم بحسن القبول واستعظام صغيرها شكر ... الخ.
والتزام التحلي بخلق الشكر الحقيقي الكامل أمر صعب المرتفى ، وكثير من الناس لا يكلفون أنفسهم عناء الاستمساك بهذا الخلق القرآني الرفيع ، ولذلك حكم القرآن على كثير من الناس بقلة الشكر ، فقال في سورة الأعراف : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ). وفي سورة يوسف : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ). وفي سورة غافر : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ). وفي سورة الملك : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ). وفي سورة سبأ : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
ثم يخبرنا القرآن الكريم بأن الشكر صفة من صفات الله تعالى ، ولذلك قال الغزالي : «الشكر خلق من أخلاق الربوبية» ، وقد ورد وصف الله جل جلاله بصفة الشكر في آيات كثيرة ، ففي سورة البقرة : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ). وفي سورة النساء : (وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) وفي فاطر :