إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أي تفسرونها ببيان المعنى الحقيقي المراد من المعنى الخيالي.
وفي الاعتبار معنى الإحساس بدلالات الآيات ، سواء أكانت حسية أم معنوية ، وفيه معنى التأمل والتفكر ، مما يربي في نفس المعتبر فضيلة التأثر بالعظة ، والاستجابة للنصيحة ، والتقبل للتوجيه ، والإفادة من سابق التجارب ، أو قائم الدلائل والمشاهد ، وقد أمر القرآن الكريم بالاعتبار ، فقال في سورة الحشر : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) وربط بين العبرة ومواطنها المتعلقة بما خلق الله وأبدع في كونه من أشياء دالة على قدرته داعية إلى خشيته ، فنراه يقول في سورة النحل : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ (١) وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ). ويقول في سورة المؤمنون : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها ، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ). ويقول في سورة النور (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ).
ولقد أشار القرآن الكريم إلى غزوة بدر في سورة آل عمران فقال : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا : فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ، وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ).
وجاء «تفسير المنار» فتحدث عن معنى الآية ، ثم أشار إلى فضيلة الاعتبار التي ينوه بها كتاب الله تعالى ويوجه إليها ، فقال فيما قال :
«وجملة القول أن الآية ترشد إلى الاعتبار بمثل الواقعة المشار إليها (يعني غزوة بدر) التي غلبت فيها فئة قليلة فئة كثيرة بإذن الله ، ولذلك قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي لأصحاب الأبصار الصحيحة التي استعملت فيما خلقت لأجله من التأمل في الأمور ، بقصد الاستفادة منها ، إلا لمن وصفوا بقوله : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ
__________________
(١) الفرث : ما في الكرش من فضلات الطعام.