لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ).
وقال بعض المفسرين إن الأبصار هنا بمعنى البصائر والعقول من باب المجاز ، وقال بعضهم : يعني بأولي الأبصار من أبصروا بأعينهم قتال الفئتين ، وما ذكرته أظهر ، ولا أحفظ عن الأستاذ الإمام من هذا شيئا ، وإنما تكلم عن العبرة فقال ما مثاله مبسوطا مزيدا فيه :
وجه العبرة أن هناك قوة فوق جميع القوى قد تؤيّد الفئة القليلة فتغلب الكثيرة بإذن الله. وقد ورد في القرآن ما يمكن أن نفهم به سنته تعالى في مثل هذا التأييد ، لأن القرآن يفسّر بعضه بعضا ، ويجب أخذه بجملته. بل هذه الآية نفسها تهدي إلى السر في هذا النصر ، فإنه قال : (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) ومتى كان القتال في سبيل الله ـ أي سبيل حماية الحق والدفاع عن الدين وأهله ـ فإن النفس تتوجه إليه بكل ما فيها من قوة وشعور ووجدان. وما يمكنها من تدبير واستعداد ، مع الثقة بأن وراء قوتها معونة الله وتأييده».
ولقد عاد الكتاب المجيد إلى التنويه بشأن العبرة والاعتبار فقال في ختام سورة يوسف : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). وجاء في «تفسير سورة يوسف» للبيطار أن أولي الألباب هم أصحاب العقول الراجحة ، لأن أهل البصيرة والرؤية من العقلاء هم الذين يعتبرون بعواقب الأمور التي تدل عليها أوائلها ومقدماتها ، بعد التأمل في حقيقتها وصفاتها ؛ وأما الأغرار الغافلون ، والظالمون المعاندون ، فلا يمرنون عقولهم على الاستقلال في النظر ، والاعتبار بما جرى على الأفراد والأمم ، فلا يفيدهم النصح والتذكير ، ولا سوء العاقبة والمصير.
ويقبل الرازي ليقول في الآية نفسها : «اعلم أن الاعتبار عبارة عن العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول ، والمراد منه التأمل والتفكر ، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور :
الأول : أن الذي قدر على إعزاز يوسف ، بعد إلقائه في الجبّ ، وإعلائه