بعد حبسه في السجن ، وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون به أنه عبد لهم ، وجمعه مع والديه وإخوته على ما أحبّ ، بعد المدة الطويلة ، لقادر على إعزاز محمد صلىاللهعليهوسلم وإعلاء كلمته.
الثاني : أن الإخبار عنه جار مجرى الإخبار عن الغيب ، فيكون معجزة دالة على صدق محمد صلىاللهعليهوسلم.
الثالث : أنه ذكر في أول السورة : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ،) ثم ذكر في آخرها : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) تنبيها على أن حسن هذه القصة إنما كان بسبب أنه يحصل منها العبرة ومعرفة الحكمة والقدرة.
والمراد من قصصهم قصة يوسف عليهالسلام وإخوته وأبيه ؛ ومن الناس من قال : المراد قصص الرسل ، لأنه تقدّم في القرآن ذكر قصص سائر الرسل : إلا أن الأولى أن يكون المراد قصة يوسف عليهالسلام. فإن قيل : لم قال عبرة لأولي الألباب ، مع أن قوم محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا ذوي عقول وأحلام ، وقد كان الكثير منهم يعتبر بذلك؟ قلنا : إن جميعهم كانوا متمكنين من الاعتبار. والمراد من وصف هذه القصة بكونها عبرة كونها بحيث يمكن أن يعتبر بها العاقل. أو نقول : المراد من أولي الألباب الذين اعتبروا وتفكروا وتأملوا فيها ، وانتفعوا بمعرفتها ، لأن أولي الألباب لفظ يدل على المدح والثناء ، فلا يليق إلا بما ذكرنا».
ونحن نفهم من هذا البيان أن فضيلة الاعتبار بالوقائع والأحداث والأخبار الماضية أو اللاحقة إنما هي من نصيب العقلاء الفضلاء الذين ينظرون ويتفكرون ويتدبرون ، فتتأثر قلوبهم وألبابهم بما علموا أو شاهدوا ، وتستجيب ارواحهم لدواعي الخير والبر ، وتنصرف نفوسهم عن وساوس الشر ودواعي الإثم.
ونفهم أيضا أن خير ما يبث اضواء الاعتبار في صدر الانسان العاقل هو ما قصه القرآن المجيد من قصص وانباء ، فخير الحديث كتاب الله جل وعلا ، ومن أصدق من الله حديثا.
ونفهم كذلك أن من يمر على العظة او العبرة ، دون أن يدركها او يتأثر بها