او يعتبر عندها ، يكون كمن فقد العقل ، او فقد البصر ، ويكون قد تبلد شعوره وإحساسه ، وتجمد تفكيره وإدراكه ، اولئك كالأنعام بل هم اضل ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
ويقبل النيسابوري ليحدثنا ايضا عن آية سورة يوسف السالفة الذكر ، فيذكر ان العبرة نوع من الاعتبار ، وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول ، ووجه الاعتبار على العموم ان يعلم الانسان أنه لا خير إلا في العمل الصالح ، والتزود بزاد التقوى ، فإن الملوك الذين عمروا البلاد ، وقهروا العباد ، ثم لم يراعوا حقّ الله في شيء من ذلك ، ماتوا وانقرضوا ، وبقي الوزر والوبال عليهم ، والذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب ، وإعلاء شأنه بعد سجنه ، واجتماعه بأهله بعد غربته ، قادر على نصر محمد وإعلاء كلمته.
ويقص القرآن الكريم علينا قصة موسى باختصار في سورة النازعات ، ثم يعقب عليها بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) اي إن فيما قصّه الله تعالى من قصة موسى وفرعون لعبرة وموعظة لمن يخاف الله ويخشى عقابه ، ولمن له عقل يتدبر به عواقب الأمور ومصائرها ، فينظر في حوادث الماضين واحوال الحاضرين ، ويتعظ بها ، ثم يعقب القرآن على ذلك بعرض صور من كتاب الله المنظور ، وهو الكون ليفجّر في نفس المؤمن الواعي ينابيع هذا الخلق الكريم ، وهو الاعتبار ، فيقول عقب ذلك مباشرة : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ، وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ، أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ، وَالْجِبالَ أَرْساها ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (١). ثم يتبع ذلك بذكر العاقبة التي ستختلف باختلاف الناس ما بين بر وفاجر ، او صالح وطالح ، او معتبر وغافل ، فيقول : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى ، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى فَأَمَّا مَنْ
__________________
(١) سَمْكَها : أي ثخانتها. وأَغْطَشَ : أظلم. وأَخْرَجَ ضُحاها : أبرز نهارها. ودَحاها : بسطها. ومَرْعاها : أقواتها. وأَرْساها : ثبتها.