يجود ، وطالب للدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضي يمضي الباقي».
وفي موطن ثالث يقول : «إن الأمور اذا اشتبهت اعتبر آخرها بأولها».
ويعلق على هذا ابن ابي الحديد في شرحه لنهج البلاغة فيقول : «وذلك ان المقدمات تدل على النتائج ، والأسباب تدل على المسببات ، وطالما كان الشيئان ليسا علة ومعلولا ، وإنما بينهما أدنى تناسب ، فيستدل بحال أحدهما على حال الآخر ، وإذا كان كذلك. واشتبهت أمور على العاقل الفطن ، ولم يعلم إلى ما ذا تؤول ، فانه يستدل على عواقبها بأوائلها ، وعلى خواتمها بفواتحها ، كالرعية ذات السلطان الركيك الضعيف السياسة ، إذا ابتدأت أمور مملكته تضطرب ، واستبهم على العاقل كيف يكون الحال في المستقبل ، فانه يجب عليه أن يعتبر أواخرها بأوائلها. ويعلم أنه سيفضي أمر ذلك الملك إلى انتشار وانحلال في مستقبل الوقت ، لأن الحركات الأولى منذرة بذلك ، وواعدة بوقوعه ، وهذا واضح».
وفي موطن رابع يقول الإمام علي «من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن خاف أمن ، ومن اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم». ويعلق ابن ابي الحديد بأنه قد جاء في الحديث المرفوع : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا». وقوله : «من خاف أمن» أي من اتقى الله أمن عذابه يوم القيامة. وقوله : «ومن اعتبر أبصر» أي من قاس الأمور بعضها ببعض ، واتعط بآيات الله وأيامه ، أضاءت بصيرته ، ومن أضاءت بصيرته فهم ، ومن فهم علم. فان قيل : الفهم هو العلم فما الحاجة الى ان يقول : ومن فهم علم؟ فالجواب : إن الفهم هاهنا هو معرفة المقدمات ، ولا بد أن تعقب معرفة المقدمات معرفة النتيجة ، فمعرفة النتيجة هي العلم ، فكأنه قال : من اعتبر تنور قلبه بنور الله تعالى ، ومن تنور قلبه عقل المقدمات البرهانية ، ومن عقل المقدمات البرهانية علم النتيجة الواجبة عنها ، وتلك هي الثمرة الشريفة التي في مثلها يتنافس المتنافسون.