وفي موطن خامس يقول الإمام : «ما أكثر العبر وأقل الاعتبار». وفي الشرح تأتي هذه العبارة :
«ما أوجز هذه الكلمة ، وما أعظم فائدتها. ولا ريب ان العبر كثيرة جدا ، بل كل شيء في الوجود ففيه عبرة ، ولا ريب أن المعتبرين بها قليلون ، وأن الناس قد غلب عليهم الجهل والهوى ، وأرداهم (١) حب الدنيا ، وأسكرهم خمرها ، وان اليقين في الأصل ضعيف عندهم ، ولو لا ضعفه لكانت أحوالهم غير هذه الأحوال».
* *
هذا وللاعتبار عند الأصحاء من الصوفية شأن وأي شأن ، فان الصوفي الصادق هو خير من ينظر ويفكر ويعتبر ، وخير من يتذكر على الدوام قول القائل :
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على انه الواحد |
وما اكثر ما يثيره الاعتبار في نفس هذا المتدبر المعتبر من لواعج الخشية ودوافع التقوى ، ومن هنا رأينا الإمام ابن القيم في كتابه : «مدارج السالكين» يشرح لنا كيف يستلزم الاعتبار الانتفاع بالعظة عند القوم ، فيقول : «الانتفاع بالعظة هو أن يقدح في القلب قادح الخوف والرجاء ، فيتحرك للعمل ، طلبا للخلاص من الخوف ، ورغبة في حصول المرجو. والعظة هي الأمر او النهي المعروف بالترغيب والترهيب. والعظة نوعان : عظة بالمسموع وعظة بالمشهود ، فالعظة بالمسموع الانتفاع بما يسمعه من الهدى والرشد ، والنصائح التي جاءت على لسان الرسل وما أوحي إليهم ، وكذلك الانتفاع بالعظة من كل ناصح ومرشد في مصالح الدين والدنيا. والعظة بالمشهود الانتفاع بما يراه ويشهده في
__________________
(١) أرداهم : أهلكهم ، والردى هو الهلاك.