سورة المدثر : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي كأنهم حمير وحشية هاربة بسرعة من الأسد.
والتذكر المفيد النافع هو الذي يأتي في أوانه ومكانه ، وأما إذا فات ميقاته وبعد مكانه فإنه يصير حسرة أو ند ما لاذعا ، وهذا مما نتعلمه من القرآن الكريم حيث يقول في سورة الفجر : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ، وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ، يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ، وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى؟ يَقُولُ : يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ، فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ ، وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ).
* *
وإذا كان التذكر منازل ودرجات ، فأعلى هذه المنازل وقمة تلك الدرجات هي تذكر جلال الله تعالى ، واستحضار عظمته وقدرته ، وهذا ما يعبّر عنه بكلمة «ذكر الله» وذكر الله هو تمجيده سبحانه وتقديسه ، اعتقادا وتعبدا ، وهو تسبيحه وتنزيهه والثناء عليه بجميع محامده ، لأن هذا الذكر هو الاساس المتين والركن الركين ، والقرآن يقول في سورة الرعد : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ، أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
وقد أخبر القرآن أن ذكر الله تعالى هو طريق الفلاح ، فقال في سورة الأعلى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى). وأخبر أن ذكر الله المحيي للقلوب والضمائر هو طريق المغفرة ومفتاح الجنة ، فقال في سورة آل عمران : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
وهناك كثير من الناس يظنون أن ذكر الله مقصور على ترديد أسمائه وصفاته