سبحانه ، حتى ولو لم يكن مع هذا الترديد تدبر أو تذكر بالقلب ، وهذا خطأ فاحش ، فقد نقل القرطبي في تفسيره حديثا يقول : «من أطاع الله فقد ذكر الله ، وإن أقلّ صلاته وصومه وصنيعه للخير. ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثّر صلاته وصومه وصنيعه للخير». ويقول سعيد بن جبير : «الذكر طاعة الله ، فمن لم يطعه لم يذكره ، وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن». وليس بمعقول أن يكون مجرد ترديد اللسان لكلمات الذكر ، دون وعي أو تنبه أو تأثر ، هو المطلوب شرعا أو عقلا من ذكر الله عزوجل ، وكيف والله جل جلاله يقول في سورة البقرة : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ). وذكر الله لعبده هو تشريف للعبد أي تشريف ، لأن الله سيذكره بالرضى والقبول ، والتوفيق والتأييد ، ولا يتصور عاقل أن يكون ثمن هذا هو تحريك اللسان بكلمات والقلب غافل في سكرات.
والآية الكريمة السابقة تذكرنا بما روي عن ثابت البناني حيث قال لمن حوله : إني أعلم متى يذكرني ربي عزوجل ، فعجبوا منه وقالوا له : كيف تعلم ذلك؟. فقال : إذا ذكرته ذكرني ، لأنه يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ). وقد نسبوا مثل هذا إلى أبي عثمان النهدي أيضا.
والقرآن الحكيم يؤكد الدعوة إلى ذكر الله. ففي سورة البقرة : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ، وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ). وفيها : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) وهي أيام التشريق في عيد الأضحى. وفي سورة آل عمران : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ). وفي سورة الكهف : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً).
ويعلمنا كتاب الله المجيد أن ذكر الله يكون على كل حال : فيقول في سورة آل عمران : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ). ويقول في الأعراف : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ). وهذا التركيز القرآني الواضح على ذكر الله