استشعاره ، وقيل : هو قوة العلم بمجاري الأحكام.
ولقد تكررت الدعوة الى الخوف من الله عزوجل في القرآن الكريم ، فجاء قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً). وقال : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). وأكد كتاب الله المجيد توجيهه الى الخوف من مقام الله جل جلاله ، فقال : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ). وقال : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى). وقال : (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ، ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ). والمقام في الأصل هو مصدر القيام ، وهو أيضا مكان القيام وزمانه ، ولقد قيل في تفسير «مقام الله» قولان ، أولهما أنه المقام الذي يقوم فيه العبد بين يدي ربه لعبادته ، كما يقال هذا معبد الله ، وهذا معبد الباري ، أي المكان الذي يقوم فيه العبد بعبادة الله تعالى.
والقول الآخر أن مقام الله تعالى يراد به الموضع الذي يقوم الله فيه على عباده ، وهو غير محدود ، وذلك يدل عليه قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) أي حافظ ومطّلع.
وقد كرر القرآن ذكر الخوف من يوم الحساب والجزاء ، وهو يوم القيامة ، فقال في سورة هود : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) ، وقال في سورة الرعد : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ). وقال في سورة الأنعام (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). وقال في سورة الانسان : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (١).
وهذا الخوف الذي يدعو اليه القرآن ويمجّد شأنه إنما هو الخوف القائم على المراقبة لله ، والخضوع لأمره ، والخشية من عقابه ، وليس معنى هذا أن القرآن يرتضي لأهله الخوف بمعنى الذل أو الهوان ، أو تهيب أحد من الناس ،
__________________
(١) قمطريرا : شديد العبوس.