بل إنه حين يدعو أهله إلى الخوف من الله ، يحررهم بذلك من الخوف لغيره ، أو الذل لسواه ، ويحررهم من كل أنواع الخوف الأخرى ، ولذلك يقول : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي لا يلحقهم خوف من أهوال يوم القيامة ، ولا هم يحزنون على فوات الثواب ، وقيل في المعنى : إنه لا خوف عليهم من وسوسة الشيطان ، ولا مما يعقبها من الشقاء والخسران ، فهم لا يخافون مما هو آت ، ولا يحزنون على ما فات ، لأن اتباع الهدى يسهّل عليهم طرق اكتساب الخيرات.
وكذلك يقول القرآن : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ، وقال في سورة طه : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً). ويقول في سورة يونس : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
والخوف من الله ومن حسابه وعقابه ومحارمه فرض على كل مؤمن كما قرر العلماء ، مستدلين على ذلك بقوله تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). وهذا الخوف من الله يستلزم عند صدقه الرجوع إلى الله ، والاعتصام بحبله وبابه ، ولذلك قال أبو حفص النيسابوري : «الخوف سوط الله يقوّم الشاردين عن بابه». وقال الغزالي. «الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى». وما دام القلب مستشعرا روح الخوف من الله فانه يظل عامرا بالايمان واليقين ، ومن هنا قال أبو سليمان الداراني. «ما فارق الخوف قلبا إلا خرب».
وليس المراد من خوف الانسان لله تعالى ما يخطر بالبال من الرعب ، كاستشعار الخوف من الأسد مثلا ، بل يراد به ـ كما قال الأصفهاني ـ الكف عن المعاصي واختيار الطاعات ، ولذلك صدقوا حين قالوا. لا يعدّ خائفا من لم يكن للذنوب تاركا. كما أن الخوف من الله ليس شكلا خارجيا يتمثل في صيحة أو أنّة أو رنّة ، فليس الخائف من يبكي ويمسح عينيه ، بل من يترك ما يخاف أن