وتستوعب طاقتها وجهدها ، لأن ربها تبارك وتعالى يقول لها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ). وقد قيل إن التقوى حق التقوى هي أن يطاع الله فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وقيل هي أن يجاهدوا في الله حقّ جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم ، وقيل هي أن يؤدوا واجبات التقوى حتى لا يتركوا أيّ جزء يحق فيها ويوضّح هذا القول ويؤكده قول الله تعالى ، (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي بالغوا في التقوى ، حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا.
وإذا تحققت التقوى من عباد الله المؤمنين حققت لهم ثمراتها العظيمة المتمثلة في الثواب الجزيل والأجر العظيم ، وقد تحدث القرآن عن ذلك بتوسع وتأكيد فقال في سورة الأعراف : (فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). وقال في سورة هود : (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) وقال في سورة آل عمران : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ). وقال في سورة الزمر : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ). وقال فيها أيضا : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). ولعل أوسع الآيات وعدا للمتقين قول القرآن في سورة الطلاق : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
* *
وينبغي أن نشير إلى أن كثيرا من الناس يظنون أن التقوى معناها مقصور على الانكسار والذل والمسكنة والانطواء ، وقد فهمنا من سابق القول أن هذا الوهم لا نصيب له من الصحة ، فالتقوى حصانة وصيانة ، والتقوى رعاية