الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ». وجاء في سورة النازعات : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) والمراد بالمدبرات أمرا هنا الملائكة الموكلة بتدبير الأمور ، او الملائكة المدبرات أمر الدنيا بإذن الله تعالى.
ويرى الإمام محمد عبده أنها الكواكب التي انفردت بتدبير بعض الأمور الكونية في عالمنا الأرضي ، وليس التدبير هنا إلا ظهور الأثر ، ونسبة التدبير إليها لأنها اسباب ما نستفيده منها ، والمدبر الحكيم هو الله جل شأنه.
وقد وردت مادة «التدبر» في آيات من القرآن المجيد ، ففي سورة النساء : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). أي : ألا يتأملون معانيه ويتبصرون ما فيه؟ أفلا يتدبرون كتاب الله تعالى ، فيعلموا انه كلام الله ، لاتّساق معانيه ، وائتلاف أحكامه ، وتأييد بعضه بعضا بالتصديق ، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق ، لأن القرآن لا يكذّب بعضه بعضا ولا ينقض بعضه بعضا ، وما يجهله بعض الناس من أمره هو من قلة علمهم وتقصير عقولهم.
ويتعرض السيد رشيد رضا لتفسير هذه الآية الكريمة بما يكشف عن مكانة فضيلة التدبر بين الفضائل الاسلامية القرآنية فيقول : «والمعنى : جهل هؤلاء حقيقة الرسالة وكنه هذه الهداية. أفلا يتدبرون القرآن الذي يدل على حقيقتها ، وعاقبة المؤمنين بها ، والجاحدين لها ، فيعرفوا انه الحق من ربهم ، وان ما أنذر به الكافرين والمنافقين واقع بهم ، لأنه كما صدق فيما أخبر به عما يبيّتون في أنفسهم ، وما يثنون عليه صدورهم ، ويطوون عليه سرائرهم ، يصدق كذلك فيما يخبر به من سوء مصيرهم ، وكون العاقبة للمتقين الصادقين ، والخزي والسوء على الكافرين والمنافقين ، بل لو تدبروه حق التدبر لعلموا أنه يهدي إلى الحق ، ويأمر بالخير والرشد ، وأن عاقبة ذلك لا تكون إلا بالفوز والفلاح ، والصلاح والإصلاح. فإذا كانوا لاستحواذ الباطل والغيّ عليهم ـ لا يدركون كنه هداية هذا القرآن في ذاتها ، أفلم يأن لهم أن يدركوا من خصائصه ومزاياه ، أنه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله؟. ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا