كثيرا. اي لو كان من عند محمد بن عبد الله القرشي ، لا من عند الله الذي أرسله به ، لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، لعدم استطاعته واستطاعة أي مخلوق أن يأتي بمثل هذا القرآن في تصوير الحق بصورته كما هي ، لا يختلف ولا يتفاوت في شيء منها ، لا في حكايته عن الماضي ، الذي لم يشاهده محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولم يقف على تاريخه ، ولا في إخباره عن الآتي في مسائل كثيرة وقعت كما أنبأ بها ، ولا في بيانه لخفايا الحاضر ، حتى حديث الأنفس ومخبآت الضمائر».
وجاء في سورة محمد : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها). أي : أفلا يلاحظون معاني القرآن ودقائقه ورقائقه ، وما فيه من المواعظ والزواجر ، حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات ، أم ان قلوبهم قد قست أو استغلقت ، فهي لا يصل إليها الذكر ، ولا ينكشف لها الأمر ، فكأنها مقفلة ، لا تقبل التدبر ولا الاعتبار؟. ويصوّر ابن جرير الطبري معنى الآية بما خلاصته : أفلا يتدبر هؤلاء الضالون مواعظ الله تعالى التي يعظهم بها في آيات القرآن الذي أنزله على نبيه صلىاللهعليهوسلم ، ويتفكرون في حججه التي بيّنها لهم في تنزيله ، فيعلموا خطأ ما هم عليه مقيمون ، أم أقفل الله على قلوبهم ، فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر ، إنهم لو فعلوا لوجدوا في القرآن الكريم زاجرا عن معصية الله ، وداعيا إلى طاعته.
وهذا معناه أن التدبر إذا صار للإنسان خلقا يتحلى به ، وفضيلة يتزين بجمالها ، فإن هذا التدبر يعصم صاحبه من السوء ، ويقرنه بالخير ؛ وهذا التدبر إنما يثيره في الإنسان قلب حي يقظ ، وعقل متفتح مستجيب ، وإحساس دقيق مرهف ، وبهذا الاستعداد يتمكن الإنسان أن يحسن التدبر الدنيوي والتدبر الديني ، وهما اللذان يشير إليهما خالد بن معدان في قوله : «ما من آدمي إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وما يصلحه من معيشته ، وعينان في قلبه لدينه ، وما وعد الله من الغيب ، فإذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ، وإذا أراد الله به غير ذلك طمس عليهما».