القرآن ، لا يمنع ان يختص اولو الأمر منهم باستنباط الأحكام العامة في السياسة والقضاء والادارة العامة ، وأن يتبعهم سائر الأمة فيها».
* *
وجاء في سورة المؤمنون قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ). وكلمة «يدبروا» في الآية أصلها «يتدبروا» أي : أفلم يتأمل هؤلاء المشركون كلام الله تعالى وتنزيله ، فيعلموا ما فيه من العبر ، ويعرفوا حجج الله التي احتج بها عليهم ، فيكون ذلك داعيا إلى التوبة والاهتداء.
ويقول القرآن في سورة ص : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) اي ليتدبر اصحاب العقول آيات هذا الكتاب الالهي المجيد ، وما شرعه الله فيه من شرائع ، فيعملوا به فيهتدوا ويسعدوا.
ولقد كان السلف الصالح يعد «التدبر» فضيلة تزين أحرار الرجال وخيار الأبطال ، لما في التدبر من عمق النظر في عواقب الأمور ، ولذلك قال الامام علي في عبد الله بن عباس : «إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق». وكثر قول حكماء العرب في مدح الذين يتدبرون وينفذون بأبصارهم وبصائرهم في طيات الأمور ونتائج الاحداث ، فهذا احدهم يمدح ذكيا متدبرا ، فيقول فيه :
عليم بأعقاب الأمور برأيه |
|
كأن له في اليوم عينا على الغد |
وهذا ثان يقول :
بصير بأعقاب الأمور ، كأنما |
|
تخاطبه من كلّ أمر عواقبه |
وهذا ثالث يقول :
بصير بأعقاب الأمور كأنما |
|
يرى بصواب الرأي ما هو واقع |
وكان أسلافنا يحثون على المبادرة إلى التدبر في الوقت المناسب ، قبل فوات الأوان ، ولذلك يقول أكثم بن صيفي : «لا تتدبروا أعجاز امور قد ولت صدورها». والمتدبر الذكي الألمعي هو الذي يتطلع اولا إلى الماضي يدرسه