أَصْبُ إِلَيْهِنَ (١) وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ ، فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وجاء أدب النبوة الممتع فقص علينا قصة أصحاب الصخرة التي سدت عليهم باب الغار ، فجعل كلّ منهم يدعو بعمل صالح ، حتى يزيل الله عنهم الكرب وينقذهم ، وقال الثاني منهم في دعائه : اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحبّ الناس إلي ، فراودتها عن نفسها فامتنعت مني ، حتى ألمت بها سنة من السنين ـ أي شدة من الشدائد ـ فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين دينارا ، على أن تخلّي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها ، قالت : اتق الله ، ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فتحرجت من الوقوع عليها ، فانصرفت عنها وهي من أحبّ الناس إليّ ، وتركت الذهب الذي أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلته ابتغاء وجهك ، ففرّج عنا ما نحن فيه ..». الحديث رواه البخاري.
وكذلك روى أبو بكر بن عبد الله المزني ان قصّابا هام بفتاة لبعض جيرانه ، وبادلته الفتاة حبا بحب ، ولكنها كانت عفيفة شريفة ، فتبعها ذات يوم وهي على خلوة من الطريق ، وراودها عن نفسها ، فقالت له : لا تفعل فإني أشد حبا لك منك لي ، ولكني أخاف الله. فارتدع وقال : أنت تخافينه وأنا لا أخافه؟. ثم رجع تائبا ، فاستجاب الله دعاءه.
ومما رواه السلف أن شابا عابدا كان بالكوفة ، فتعرضت له امرأة في الطريق ، وقالت له : يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها. فقال لها : هذا موقف تهمة ، وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعا ، فقالت له : والله ما وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ، ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد إلى مثل هذا مني ، والذي حملني على أن لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي معرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير ، وأنتم معاشر العبّاد على مثال القوارير ، أدنى شيء يعيبها ، وجملة ما أقوله لك : إن جوارحي كلها مشغولة بك ، فالله الله في أمري وأمرك.
__________________
(١) أصب اليهن : أمل الى أجابتهن.