ومضى الشاب في طريقه ثم كتب إليها يقول : «بسم الله الرحمن الرحيم ، اعلمي أيتها المرأة أن الله عزوجل إذا عصاه العبد حلم ، فإذا عاد الى المعصية مرة أخرى ستره ، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق منها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب ، فمن ذا يطيق غضبه؟ فإن كان ما ذكرت باطلا فإني أذكّرك يوما تكون السماء فيه كالمهل (١) ، وتصير الجبال كالعهن ، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم ، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي ، فكيف بإصلاح غيري؟. وإن كان ما ذكرته حقا فأنا أدلك على طبيب هدى ، يداوي الكلوم (٢) الممرضة والأوجاع المرمضة ، ذلك هو الله رب العالمين ، فاقصديه بصدق المسألة ، فإني مشغول عنك بقوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ (٣) إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ، ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) فأين المهرب من هذه الآية؟».
وبعد أيام تعرضت له فأراد الرجوع من الطريق فقالت له : يا فتى ، لا ترجع ، فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبدا إلا غدا بين يدي الله تعالى ، ثم بكت وقالت : اسأل الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك ، وامنن علي بموعظة أحملها عنك ، وأوصني بوصية أعمل بها. فقال لها : أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكّرك قول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ).
وطالب القرآن المؤمنين بالتعفف في النظر بغض البصر ، فقال في سورة النور : «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
__________________
(١) المهل : الفضة المذابة ، أو دردى الزيت. والعهن : الصوف المصبوغ. وتجثو : تركع وتخشع.
(٢) الكلوم : جمع كلم ـ بفتح فسكون ـ وهو الجرح.
(٣) يوم الآزفة : يوم القيامة. وكاظمين : يمسكون غمهم وكربهم.