المهاجرين إليهم ، ولا يحسون في صدورهم أي غضاضة أو ألم مما هيأه الله تعالى للمهاجرين من فيء أو خير ، بل إن الأنصار يفضّلون المهاجرين على أنفسهم في الاستمتاع بالخير ، ولو كان الأنصار محتاجين إليه ، وكل من حفظه الله من البخل ، وصانه من الشح ، فقد أفلح وفاز.
ولقد نزل المهاجرون بعد الهجرة في دور الأنصار على الرحب والسعة ، وفي ظلال الحب والكرم والمواساة ، فلما غنم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أموال بني النضير دعا الأنصار وشكرهم على ما صنعوا مع إخوتهم المهاجرين ، من إنزالهم إياهم في منازلهم ، وإشراكهم في أموالهم ، ثم قال لهم : «إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم ، وشاركتموهم في هذه الغنيمة ، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ، ولم نقسم لكم من الغنيمة شيئا». فقال الأنصار بل نقسم لإخواننا من ديارنا وأموالنا ، ونؤثرهم بالغنيمة» فنزلت الآية.
وروي أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أحببتم قسمت ما أفاء (٢) الله (١) عليّ من بني النضير بينكم وبينهم ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم ، وإن أحببتم أعطيتهم ، وخرجوا من دياركم». فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ : بل تقسمه بين المهاجرين ، ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادت الأنصار قائلة : رضينا وسلمنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار». وأعطى المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا ، إلا اثنين أو ثلاثة كان بهم فقر وحاجة. ونزلت الآية.
والإيثار فضيلة قرآنية أخلاقية نبيلة ، لا يتحلى بها إلا أصحاب القلوب الكبيرة والهمم العالية والعزائم الثابتة ، لأن الإيثار يحتاج في تحقيقه إلى صبر واحتمال وبذل وكرم ، ولذلك قال القرطبي : «إن الإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية ، رغبة في الحظوظ الدينية ، وذلك ينشأ عن قوة
__________________
(١) ما أعطاه للرسول بلا قتال.
(٢) ما أعطاه للرسول بلا قتال.