اليقين ، وتوكيد المحبة ، والصبر على المشقة».
والإيثار أسمى مراتب البذل ، ولذلك قال حجة الإسلام الغزالي إن أرفع درجات السخاء الإيثار ، وهو أن يجود الإنسان بالمال مع الحاجة إليه ، ولا يمكن لبخيل أو شحيح أن يعرف الطريق إلى الإيثار ، لأن المؤثر على نفسه يترك ما هو محتاج إليه ، والشحيح حريص على ما ليس بيده ، فإذا صار في يده ازداد حرصا عليه ، وبخل به ، فالبخل ثمرة الشح ، والشح يأمر بالبخل ، فمن أين يأتي الإيثار إذن؟. وصلوات الله وسلامه على رسوله حين قال : «إياكم والشحّ فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا».
وقد يبلغ الإيثار بصاحبه أن يعطي كلّ ما لديه ، ويبقى بلا شيء ، وهنا يقول العلماء : إنما يباح الإيثار بالكل لمن كان يوثق منه بالصبر الجميل على الفقر ، وأما من يخاف عدم الصبر ، ويخاف التعرض إلى السؤال إذا بذل ما عنده يكون مكروها بالنسبة إليه ، ويؤيد هذا ما رواه أهل التفسير من أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بمثل البيضة من الذهب ، وقال : هذه صدقة ، ويبدو أنه لم يكن يملك غيرها ، فأبى النبي أخذها منه ، وقال : «يأتي أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به ، ثم يقعد يتكفف الناس (١)».
والإيثار كما يكون في بذل المال يكون في إيثار الطاعة لله على الاستجابة للشهوة ، وهذا يحتاج إلى مقاومة ومغالبة ، وقد جاء في الحديث : «أيما امرىء اشتهى شهوة ، فرد شهوته ، وآثر على نفسه ، غفر له».
وكذلك إيثار الآخرة على الدنيا ، والآجلة على العاجلة ، والقرآن الكريم يشير إلى مثل هذا الإيثار في مواطن ، فتراه يقول في سورة الأحزاب : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ، فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَ
__________________
(١) يتكفف الناس : يسألهم المعونة والمساعدة.