وَأُسَرِّحْكُنَ (١) سَراحاً جَمِيلاً ، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً). ويقول في سورة طه عن السحرة الذين ظهرت لهم دلائل الإيمان ، فآثروا اتباع طريق ربّهم على طريق فرعون (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا ، فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ، وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى).
وقد حذر القرآن الكريم عباد الرحمن وخوّفهم إيثار الدنيا على الآخرة فقال في سورة النازعات : (فَأَمَّا مَنْ طَغى ، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى). وقال في سورة الأعلى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى). وروى الترمذي أن رسول الله عليه الصلاة والسّلام قال : من أحبّ دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى».
ولذلك عدّ البصراء من العلماء أسمى درجات الإيثار أن يؤثر الإنسان رضى ربّه على رضى من عداه ، فيفعل المرء ما فيه مرضاة خالقه ، حتى ولو غضب المخلوق ، وهذه الدرجة من درجات الإيثار هي درجة الأنبياء والمرسلين ، وإمامهم فيها هو خاتمهم سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه ، ومن هنا قال الإمام ابن القيم : «إيثار رضا الله عزوجل على غيره هو أن يريده ويفعل ما فيه مرضاته ، ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء ، وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه ، وأعلاها لأولي العزم منهم ، وأعلاها لنبينا صلىاللهعليهوسلم وعليهم ، فانه قاوم العالم كلّه ، وتجرد للدعوة إلى الله ، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى ، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه. ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم ، بل كان همّه وعزمه وسعيه كله مقصورا
__________________
(١) أسرحكن : كناية عن تطليقهن.