وحياء المحبة ، وهو استحياء المحب من محبوبه ، على حد قول القائل :
أهابك إجلالا ، وما بك قدرة |
|
عليّ ، ولكن ملء عين حبيبها |
وهناك الحياء البليغ الرائع ، وهو استحياء الإنسان من نفسه ، ومن اكتفائها بما تستطيع أن تبلغ أعلى منه ، وهذا أشرف أنواع الحياء ، لأن المرء إذا استحيا من نفسه فهو من غيره يكون أشدّ استحياء ، وقد توسع ابن القيم في الحديث عن أنواع الحياء.
ومما جاء في السنة المطهرة قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا لم تستح فاصنع ما شئت». ولذلك الحديث تفسيران : الأول منهما أن ذلك أمر تهديد ووعيد ، أي إذا لم تستح من العيب ، ولم تخش العار مما تفعله ، فافعل كلّ ما تحدثك به نفسك من أهوائها وأغراضها ، حسنا كان أم قبيحا. ويكون التقدير : من لم يستح صنع ما شاء ، وهذا توبيخ وتبكيت ، وإن كان لفظه وظاهره الأمر ، وفيه تنبيه على أن الذي يصد الإنسان عن إتيان السيئات هو الحياء ، فإذا تجرد عن الحياء صار كأنه مأمور بارتكاب كلّ ضلالة ، واقتراف كل سيئة ، وهذا التفسير هو التفسير المشهور الظاهر.
والتفسير الآخر للحديث هو أن ذلك أمر إباحة. أي إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحي منه ، لأنه لا عيب فيه ولا سوء ، ولأنك تلتزم الصواب في فعلك ، فاصنع ما شئت ، فأنت آمن من العقاب والعتاب ، ويكون التقدير : انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله فإن كان طيبا لا يستحى منه فلا عليك أن تفعله.
* * *
وبعض أهل السوء يتوقحون ويتبجحون فيقولون نحن لا يهمنا الناس ، ويرتكبون من الأخطاء ما يرتكبون دون أن يستحوا ، وكأنهم قد خلعوا برقع الحياء عن وجوههم ، وقد يتعللون فيقولون إن الخجل من الناس لون من