أجابهم قائلا : «ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكر الموت والبلى ، ومن اراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، وآثر الآخرة على الأولى».
وإذا تحقق الحياء عند الانسان بالصورة التي رسمها هذا الحديث الشريف فإن الحياء يصد صاحبه عن كل قبيح ، ويصله بكل جميل ، وبهذا يتحقق قول الرسول : «الحياء لا يأتي إلا بخير». وبهذا ايضا نفهم بوضوح : لماذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لكل دين خلقا ، وخلق الاسلام الحياء». ولو تدبر العاقل امر الحياء لأدرك في يسر ان الحياء لو لم يكن خلقا قرآنيا اسلاميا. يأمر به الله تبارك وتعالى ويدعو اليه رسوله عليه الصلاة والسّلام ، لكان أمرا من أمور الفطرة الانسانية الصافية ، وطبيعة من طبائع البشرية الطاهرة.
والحياء من ناحية متعلّقه يكون على ثلاثة أوجه ، حياء من الله ، وحياء من الناس وحياء المرء من نفسه ، ولا بد من هذه الأوجه الثلاثة لكي يكمل الحياء ، ويتحقق على وجهه التام ، لأن من استحيا من الله تعالى ولم يستحي من الناس فقد استهان بالناس ، ومن استحيا من الناس ولم يستحي من الله فقد استهان بالله جل جلاله ، ومن استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه ، هانت عليه نفسه ، ومن هانت عليه ، لم يكن أهلا لمكارم الأخلاق.
ومظاهر الحياء كثيرة ، وأنواعه عديدة ، فهناك الحياء من الذنب ، وهو الشعور الذي يعتري نفس المذنب ، فيخجل من ذنبه ويستحيي ، والحياء من التقصير ، وهو أن يفعل الإنسان خيرا ، ولكنه يراه دون ما ينبغي فيستحيي ، وحياء الإكبار ، وهو استحياء الصغير من الكبير الجليل ، وحياء الاحتشام ، وهو خجل الإنسان من التبسط في الكلام مع من يهابه ، وحياء الكرم ، وهو استحياء الرجل الكريم إذا أعطى وأحس بأن ما أعطاه دون ما ينبغي ،