الذي يحيط بدرجة «الوسطية» ، فلا يستطيع أن يلمحها ويتحلى بها الا من أدام المجاهدة لنفسه ، والسعي نحو غايته ، فيقول : «ولما كان الوسط الحقيقي بين الطرفين في غاية الغموض ، بل هو أدق من الشعر ، وأحد من السيف ، فلا جرم من استوى على هذا الصراط المستقيم في الدنيا ، جاز على مثل هذا الصراط في الآخرة ، وقلما ينفك العبد من ميل عن الصراط المستقيم ، اعني الوسط ، حتى لا يميل الى احد الجانبين ، فيكون قلبه متعلقا بالجانب الذي مال اليه.
ولذلك لا ينفك عن عذاب ما ، واجتياز على النار ، وان كان مثل البرق ، قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) (١) اي الذين كان قربهم الى الصراط المستقيم اكثر من بعدهم عنه.
ولاجل عسر الاستقامة وجب على كل عبد ان يدعو الله تعالى في كل يوم سبع عشرة مرة ، في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٢) ، اذ وجبت قراءة الفاتحة في كل ركعة ، فقد روي ان بعضهم رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنام ، فقال : قد قلت يا رسول الله : شيبتني هود ، فلم قلت ذلك؟ فقال عليهالسلام : لقوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (٣).
فالاستقامة على سواء السبيل في غاية الغموض ، ولكن ينبغي أن يجتهد الانسان في القرب من الاستقامة ، ان لم يقدر على حقيقتها».
ويتفنن حجة الاسلام في تفصيل الحديث عن الوسيلة الى بلوغ
__________________
(١) سورة مريم ، الآيتان ٧١ و ٧٢.
(٢) سورة الفاتحة ، الآية ٦.
(٣) سورة هود ، الآية ١١٢.