والمتعبد ، والمتحرر من العيوب والمآثم. و «التحنف» هو أن يتحرى الانسان أقوم السبل وأعدل الطرق ليسلكها ويلتزمها.
ومن هذا المعنى يلوح المفهوم الاخلاقي الذي يجعلنا نحس بأن «التحنف» بمعناه العام يدخل ضمن الفضائل الاسلامية القرآنية المجيدة التي تستحق البحث والتنويه. لان المتحنف يصور لنا قيمة سامية من القيم الاخلاقية ، فهو الرجل الذي يرى الناس أو كثرتهم تسير على طريقة باطلة ومعتقد فاسد ، فلا يتابعهم ولا ينساق وراءهم ، بل يخالفهم جميعا ما دام على الحق المبين ، ويتنكب طريقتهم ، ويمضي على طريقته ، وقد يشير الى هذا المعنى قول الحق جل جلاله : (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) (١).
والمتحنف هو الذي تدفعه مبادئه وقيمه الى الميل الى الحق عن الباطل : في القلب والنفس ، في الجهر والهمس ، في الافعال والاحوال والاقوال ، كما يشير القشيري في «لطائف الاشارات». فليس التحنف مجرد مخالفة ، أو معارضة للتظاهر او التفاخر ، وانما هو ادراك للحق ، واعتزاز به ، واصرار عليه ، وان خالف المخالفون.
ولقد نوه القرآن الكريم بفضيلة التحنف ومكانة الحنيف حين قال في سورة يونس : (قل يا أيها الناس ان كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ، وأمرت أن أكون من المؤمنين ، وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ، ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فان فعلت فانك اذن من الظالمين) (٢). وقوله : (أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) أي
__________________
(١) سورة الانعام ، الآية ٩١.
(٢) سورة يونس ، الآيات ١٠٤ ـ ١٠٦.