الحسنات ، وتقل السيئات شيئا فشيئا ، وهذا وأمثاله هم الذين تفضل الله عليهم فوعدهم وعدا حسنا ، كما قال في سورة النجم : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (١).
ولقد ذهب أسلافنا ـ رضي الله عنهم ـ مذاهب في تبيان المراد بالنفس اللوامة ، فذكر الاصفهاني أنها النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة ، فتلوم صاحبها اذا ارتكب مكروها ، فهي دون النفس المطمئنة. وقيل : بل هي النفس التي قد اطمأنت في ذاتها ، وترشحت لتأديب غيرها ، فهي فوق النفس المطمئنة.
وذكر القرطبي أنها هي نفس المؤمن الذي تراه دائما يلوم نفسه على الشر : لم فعلته ، وعلى الخير لم لا تستكثر منه ، وذكر بعض المفسرين أنه ليس من نفس محسنة ولا مسيئة الا وهي تلوم نفسها ، فالمحسن يلوم نفسه أن لو كان ازداد احسانا ، والمسيء يلوم نفسه ألا يكون ارتدع عن اساءته.
ويأتي فخر الدين الرازي فينقل عن ابن عباس قوله ان كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة ، سواء كانت برة أو فاجرة ، أما البرة فلأجل أنها لم تزد على طاعتها ، وأما الفاجرة فلأجل أنها لم تشتغل بالتقوى ، ثم ذكر أن بعضهم طعن في هذا بأن من يستحق الثواب لا يجوز ان يلوم نفسه على ترك الزيادة ، لانه لو جاز منه لوم على ذلك ، لجاز من غيره أن يلومها عليه ، وبأن الانسان انما يلوم نفسه عند الضجر وضيق القلب ، وذلك لا يليق بأهل الجنة حال كونهم في الجنة ، ولأن المكلف يعلم أنه لا مقدار من الطاعة الا ويمكن الاتيان بما هو أزيد منه ، فلو كان ذلك موجبا للوم لامتنع الانفكاك عنه ، وما كان كذلك لا يمكن تحقيقه ، والله لا يكلف الا بالممكن المستطاع.
__________________
(١) سورة النجم ، الآية ٣٢.