هذه الأنفاس ضائعة أو مصروفة الى ما يجلب الهلاك خسران عظيم هائل لا تسمح به نفس عاقل.
فاذا أصبح العبد ، وفرغ من فريضة الصبح ، ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النفس ، كما أن التاجر عند تسليم البضاعة الى الشريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته ، فيقول للنفس : مالي بضاعة الا العمر ، ومهما فني فقد فني رأس المال ، ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح.
وهذا اليوم الجديد قد امهلني الله فيه ، وأنسأ في أجلي ، وأنعم علي به ، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني الى الدنيا يوما واحدا ، حتى أعمل فيه صالحا ، فاحسبي أنك قد توفيت ، ثم قد رددت ، فاياك ثم اياك أن تضيعي هذا اليوم ، فان كل نفس من الانفاس جوهرة لا قيمة لها».
* * *
وهناك في القرآن الكريم آية تشير الى مكانة النفس اللوامة التي تواظب على لوم نفسها حتى تظل على الصواب ، وتتباعد عن الخطأ ، ولذلك جمع الله تعالى في القسم بين هذه النفس اللوامة ويوم القيامة ، فقال عز من قائل : (لا أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة) (١).
وفي «الاحياء» ان النفس اللوامة هي التي تلوم صاحبها على ما يستهدف له من الاحوال الذميمة ، لا عن عزم وتصميم ، وهذا أغلب أحوال التائبين ، لان الشر معجون بطينة الآدمي ، قلما ينفك عنه ، وانما هو يسعى ليغلب خيره شره ، حتى يثقل ميزانه بالطيبات ، فترجح كفة
__________________
(١) سورة القيامة ، الآيتان ١ و ٢.