فلاحها بالاعمال الصالحة ، والعقل يستعين بالنفس في هذه التجارة ، اذ يستعملها ويستسخرها فيما يزكيها ، كما يستعين التاجر بشريكه وغلامه الذي يتجر في ماله.
وكما أن الشريك يصير خصما منازعا يجاذبه في الربح ، فيحتاج الى أن يشارطه أولا ، ويراقبه ثانيا ، ويحاسبه ثالثا ، ويعاقبه أو يعاتبه رابعا ، فكذلك العقل يحتاج الى مشارطة النفس أولا ، فيوظف عليها الوظائف ، ويشرط عليها الشروط ، ويرشدها الى طرق الفلاح ، ويجزم عليها الامر بسلوك تلك الطرق ، ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة ، فانه لو أهملها لم ير منها الا الخيانة وتضييع رأس المال ، كالعبد الخائن اذا خلا له الجو ، وانفرد بالمال.
ثم بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها ، فان هذه تجارة ربحها الفردوس الاعلى ، وبلوغ سدرة المنتهى مع الانبياء والشهداء. فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم كثيرا من تدقيقه في ارباح الدنيا ، مع أنها محتقرة بالاضافة الى نعيم العقبى ، ثم كيفما كانت فمصيرها الى التصرم والانقضاء ، ولا خير في خير لا يدوم ، بل شر لا يدوم خير من خير لا يدوم ، لأن الشر الذي لا يدوم اذا انقطع بقي الفرح بانقطاعه دائما ، وقد انقضى الشر ، والخير الذي لا يدوم يبقى الأسف على انقطاعه دائما ، وقد انقضى الخير ، ولذلك قيل :
أشد الغم عندي في سرور |
|
تيقن عنه صاحبه انتقالا |
فحتم على كل ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه ، والتدقيق عليها في حركاتها وسكناتها ، وخطراتها وخطواتها ، فان كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها. يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد ، فانقضاء