استقامة سلوكه وتصرفه وتفكيره منذ بداية الطريق الى نهايته ـ وهذا أمر متعسر أو متعذر ـ لما كان هناك داع يدعو الى لوم النفس أو معاتبتها أو مؤاخذتها ، والا كان ذلك تصرفا لا مسوغ له ولا مبرر.
ولكن من أخطأ فألمّ بصغيرة أو غيرها هو الذي يحتاج الى فضيلة لوم النفس ، وليس معنى هذا أيضا أن يتعمد الانسان الخطأ ليوجد فرصة يلوم فيها نفسه ، فقد يكون ذلك عبثا يتنزه عنه العقلاء ، لأن من تجنب الخطأ ، والتزم الصواب ، وأحسن المسعى ، أفضل ممن تعمد الوقوع في الخطأ ، ثم شرع يندم عليه ويتوب منه ، ولذلك قال بعض السلف : «هب أن المسيء قد عفي عنه ، أليس قد فاته ثواب المحسنين»؟.
وقد يخيل لبعض الناس أو لكثير منهم ان التحلي بفضيلة لوم النفس أمر سهل ميسور ، فما عليه ـ في توهمه أو زعمه ـ الا أن يكرر ارتكاب الخطأ ، ثم يكرر القيام بالمعاتبة واللوم للنفس ، وبذلك يكون قد تحلى بفضيلة من فضائل القرآن المجيد ... كلا ، فان التحلي القويم بهذه الفضيلة يحتاج الى همة وعزيمة ، والى انتباه ويقظة ، والى جهد وتعب ، ولقد أحسن أبو حامد الغزالي في تصوير ذلك وتمثيله بصورة ملموسة بارزة ، فقال :
«اعلم أن مطلب المتعاملين في التجارات ، المشتركين في البضائع عند المحاسبة ، سلامة الربح. وكما أن التاجر يستعين بشريكه ، فيسلم اليه المال حتى يتجر ، ثم يحاسبه ، فكذلك العقل ، هو التاجر في طريق الآخرة ، وانما مطلبه وربحه تزكية النفس ، لأن بذلك فلاحها. قال الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١)). وانما
__________________
(١) سورة الشمس ، الآيتان ٩ و ١٠.