ومنعها عن شهواتها ، وفطامها عن لذاتها ، فان أهملتها جمحت وشردت ، ولم تظفر بها بعد ذلك.
وان لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والعذل والملامة ، كانت نفسك هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ، ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة الى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية (١) ، فلا تغفلن ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها ، ولا تشتغلن بوعظ غيرك ما لم تشتغل أولا بوعظ نفسك ، فقد أوحى الله تعالى الى عيسى عليهالسلام : يا ابن مريم ، عظ نفسك ، فان اتعظت فعظ الناس ، والا فاستح مني (٢).
وينبغي أن نعرف أيضا أن لوم النفس يدفع الى حسن العاقبة ، ويفضي الى جميل الخاتمة ، وهذا عبد الله بن قيس يحدثنا بأنه شهد احدى الغزوات ، وقد بدأ القتال ، فاذا رجل يخاطب نفسه فيقول لها : أي نفسي ، ألم أشهد مشهد كذا وكذا ، فقلت لي : أهلك وعيالك ، فأطعتك ورجعت؟
ألم أشهد كذا وكذا ، فقلت لي : أهلك وعيالك ، فأطعتك ورجعت؟.
والله لأعرضنك اليوم على الله ، أخذك أو تركك ...
وعزم عبد الله بن قيس على متابعته ومراقبته ليرى ما يصنع ، فحمل هذا الرجل على العدو ، فكان في الطليعة ، دون أن يبالي بهجمات الأعداء القاسية الشديدة ، وظل يقاتل وهو ثابت ، وما زال كذلك حتى ذاق نعمة الشهادة ، بعد أن أصر على موقف الوفاء والفداء ، وأصر على الجهاد حتى الاستشهاد ، وأقبل عبد الله بن قيس على جثمان ذلك المجاهد
__________________
(١) يقصد بذلك قول الله تعالى في سورة الفجر : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) الآيات ٢٧ ـ ٣٠.
(٢) انظر كتابي «أدب الاحاديث القدسية» ص ١٥٩ ـ ١٦٤ ففيه تفصيل الكلام عن هذا الحديث القدسي.