ولا في صيف دون شتاء ، ولا في نهار دون ليل ، ولا في ليل دون نهار ، ولا يأتي في الصبا دون الشباب ، ولا في الشباب دون الصبا ، بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة ، فان لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ، ثم يفضي الى الموت.
فمالك لا تستعدين للموت وهو أقرب اليك من كل قريب؟. أما تتدبرين قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ»؟ ..)
ويحك يا نفس!. لو واجهك عبد من عبيدك ، بل أخ من اخوانك بما تكرهينه ، كيف كان غضبك عليه ، ومقتك له (١) ، فبأي جسارة تتعرضين لمقت الله وغضبه ، وشديد عقابه؟. أفتظنين أنك تطيقين عذابه؟ هيهات هيهات. جربي نفسك ان ألهاك البطر عن أليم عذابه ، فاحتبسي ساعة في الشمس ، أو في بيت الحمّام ، أو قربي اصبعك من النار ، ليتبين لك قدر طاقتك.
أم تغترين بكرم الله وفضله ، واستغنائه عن طاعتك وعبادتك ، فما لك لا تعوّلين على كرم الله تعالى في مهمات دنياك؟. فاذا قصدك عدو فلم تستنبطين الحيل في دفعه ، ولا تكلينه الى كرم الله تعالى ، واذا أرهقتك حاجة الى شهوة من شهوات الدنيا مما لا ينقضي (٢) الا بالدينار والدرهم ، فمالك تنزعين الروح في طلبها وتحصيلها من وجوه الحيل؟. فلم لا تعوّلين على كرم الله تعالى حتى يعثر بك على كنز ، أو يسخر عبدا من عبيده ، فيحمل اليك حاجتك من غير سعي منك ولا طلب؟.
__________________
(١) مقته : أبغضه أشد البغض وكرهه لأمر قبيح ركبه.
(٢) لا ينقضى : أي لا يتحقق ولا يدركه مريده.