فراشك ، والدود أنيسك ، والفزع الأكبر (١) بين يديك؟. أما علمت يا نفس أن عسكر الموتى عندك على باب البلد ينتظرونك ، وقد آلوا على أنفسهم (٢) كلهم بالأيمان المغلظة انهم لا يبرخون من مكانهم ما لم يأخذوك معهم؟. أما تعلمين يا نفس أنهم يتمنون الرجعة الى الدنيا يوما ليشتغلوا بتدارك ما فرط منهم ، وأنت في أمنيتهم ، ويوم من عمرك لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها لاشتروه لو قدروا عليه ، وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة؟.
ويحك يا نفس!.
أما تستحيين؟ تزينين ظاهرك للخلق ، وتبارزين (٣) الله في السر بالعظائم؟ أفتستحيين من الخلق ولا تستحيين من الخالق؟. ويحك. أهو أهون الناظرين عليك؟. أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل؟ تدعين الى الله وأنت عنه فارّة ، وتذكرين بالله وأنت له ناسية؟. أما تعلمين يا نفس أن المذنب أنتن من العذرة (٤) وأن العذرة لا تطهر غيرها؟ فلم تطمعين في تطهير غيرك ، وأنت غير طيبة في نفسك؟.
ويحك يا نفس. لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس ما يصيبهم بلاء الا بشؤمك.
ويحك يا نفس ، قد جعلت نفسك حمارا لابليس ، يقودك الى حيث يريد ، ويسخر بك ، ومع هذا تعجبين بعملك ، وفيه من الآفات ما لو
__________________
(١) الفزع الأكبر : نفخة البعث.
(٢) الألوة والألية : الحلف. يقال آلى يؤلي أي أقسم.
(٣) تحاربين الله بارتكاب الكبائر من الذنوب.
(٤) العذرة : ما يخرج من دبر الانسان من البراز.