عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (١). ولقد ذكر الاصفهاني في كتابه «المفردات» أن معنى الامانة هنا فيه أقوال ، هي : كلمة التوحيد ، أو العدالة ، أو حروف التهجي ، أو العقل ، ثم مال الى اختيار معنى العقل ، لأنه في رأيه يشمل الأقوال السابقة ، فقال عنه : «وهو صحيح ، فان العقل هو الذي بحصوله تتحصل معرفة التوحيد ، وتجري العدالة ، وتعلم حروف التهجي ، بل لحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه ، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله ، وبه فضّل (الانسان) على كثير من خلقه».
ولكن الأقرب الى القبول في معنى «الامانة» هو أنه يراد بها التكاليف والحقوق المرعية التي أودعها الله المكلفين ، وائتمنهم عليها ، وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد ، وأمرهم بمراعاتها وأدائها والمحافظة عليها ، من غير اخلال بشيء من حقوقها ، وفي كتابي «يسئلونك في الدين والحياة» اجابة على سؤال يتعلق بتفسير هذه الآية ، وقد جاء في الاجابة ما يلي :
«هذه الآية الكريمة جاءت في سورة الاحزاب ، والمقصود منها ـ والله أعلم بمراده ـ هو تصوير خطورة التكاليف التي كلف الله بها الانسان ، فمن شأن هذه التكاليف أنها تحتاج الى القلب السليم والعقل القويم والتصرف المستقيم ، فلو أن هذه التكاليف عرضت على السموات بشمسها وقمرها وكواكبها ، أو على الارض بما فيها وما لها من ضخامة ، أو على الجبال بعلوها وشموخها ، لتخلّص من تبعاتها ، لا تمردا ولا عصيانا ، بل خوفا ورهبة واشفاقا.
__________________
(١) سورة الاحزاب ، الآية ٧٢.