ولكن الانسان الذي أوتي العقل والتفكير تعرض لحمل هذه الامانة والنهوض بها ، وهو بهذا التعرض كان ظالما لنفسه ، وكان جاهلا بكثير من تبعات هذه الامانة ، ولذلك أوقع نفسه في مسؤوليات وتبعات تحتاج الى موصول العمل ، حتى لا يتعرض للعقاب والعذاب.
وعرض الامانة هنا هو على أساس أن من يقبل هذه الامانة ، ويحفظها ويقوم بحقوقها ، فله الفوز والثواب والنعيم ، ومن يضيعها أو يهمل حقوقها فله الخسران والعقاب والجحيم ، ولذلك قال الله تعالى عقب هذه الآية مباشرة ، (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ ، وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). الآية ٧٣.
ولقد ذكر المفسرون أقوالا كثيرة في المراد بالامانة ، فقيل ان الامانة هي المحافظة على الصلوات ، وأداء الزكاة ، والصوم ، وحج البيت من استطاع اليه سبيلا ، وقيل انها أمانات الناس ، أي ودائعهم التي يودعونها عند غيرهم ، وقيل انها الامانة في الحديث وعدم الزيادة عليه ، وقيل انها صيانة المرأة لعرضها ، وقيل انها الاغتسال من الجنابة ، وقيل انها صيانة الانسان لدم غيره وعدم الاعتداء عليه.
وهذه الأقوال كلها وأمثالها لا تخرج عن كونها ضرب أمثلة وأنواع لصور من الامانة الكثيرة الصور والانواع ، والذي يطمئن اليه القلب هو أن المراد بالامانة الطاعة والتكاليف والفرائض التي افترضها الله على عباده ، وهي كل أمور الدين بما فيها من واجبات وحدود ، ولذلك استحسن الامام الطبري أن يكون المراد بالامانة في هذا الموضع هو جميع الامانات الموجودة في الدين ، وكذلك جميع الامانات التي تكون بين