يقضى عليك ، انه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، اللهم انا نعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك ، لا نحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك».
وأما القنوت في عرف الأخلاقيين فاننا نلمح فيه معنى التزام الخشوع والضراعة والخشية ، واستشعار الهيبة من الله عزوجل ، ولذلك ذكر «تفسير المنار» ان القنوت قد يكون عبارة عن الانصراف عن شؤون الدنيا الى مناجاة الله تعالى ، والتوجه اليه لدعائه وذكره ، ولما كان هذا التوجه يستلزم تفرغا وانقطاعا عن شواغل الحياة ، جاء النهي عن كلام الناس في الصلاة لأنها محل قنوت وخشوع لله عزوجل ، ولذلك جاء في حديث ابن مسعود المتفق عليه قال : كنا نسلم على النبي صلىاللهعليهوسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه (وهو في الصلاة) فلم يرد علينا ، فقلنا (أي بعد الصلاة) : يا رسول الله ، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟. فقال : ان في الصلاة شغلا.
وتحقيق القنوت ـ بمعنى الخشوع والانصراف الى الله ـ في الصلاة هو الذي يجعلها تحقق ثمرتها التي أشار اليها القرآن الكريم في قوله : (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) (١) ، ويجعلها تبلغ بصاحبها درجة الفوز والفلاح ، كما يقول الكتاب العزيز : (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (٢).
وقد لاحظ أسلافنا صلة القنوت بالفضائل الأخلاقية والصفات الزكية ، فقال مجاهد : من القنوت طول الركوع ، وغض البصر ، وخفض الجناح ، والخشوع من رهبة الله. ومن وراء التحلي بفضيلة القنوت كان صاحبها من السلف اذا دخل الصلاة يهاب الرحمن أن يلتفت ، أو أن
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية ٤٥.
(٢) سورة المؤمنون ، الآيتان ١ و ٢.